أسعار الادوية في الاردن: رؤية تحليلية - د. قيس محمد العيفان

mainThumb

15-05-2019 02:40 PM

اتابع باهتمام موضوع اسعار الادوية في الاردن والذي يشغل حاليا بال الاردنيين من مواطنين ونواب وحكومة. وأقرأ ما يكتب في الصحف واستمعت لمداخلات المعنيين بالقطاع الصيدلاني والصحي في الاذاعات والقنوات التلفزيونية وأكاد أجزم أنه أحدا لم يستطع أن يبرر ارتفاع سعر الدواء تبريرا علميا منطقيا.
 
لا بد من الاشارة انه وعند الحديث عن اسعار ادوية "مرتفعة" فاننا نشير الى اسعارها المرتفعة في القطاع الخاص. اذ أن اسعار الادوية في القطاع العام منخفضة جدا وتشكر الحكومة على ذلك. وهذا مثبت بدراسة علمية منشورة في مجلة محكمة ومتخصصة أجريت قبل سنتين، بالاضافة الى ان الدواء متوافر في القطاعين العام والخاص، توصلت هذه الدراسة الى أن الاسعار في القطاع الخاص مرتفعة عمومًا للأدوية البديلة (الجنيسة او generic medicines) والأدوية ذات العلامة التجارية أو الاصيلة (originator brands). وقد أجريت هذه الدراسة حسب دليل منظمة الصحة العالمية لهذا النوع من الدراسات. ويجدر الاشارة هنا أن هذه الدراسة هي الاولى في الاردن منذ ما يزيد عن اكثر من 15 عام. الامر الذي يتناقض مع توصية منظمة الصحة العالمية والتي تقتضي بأن تجرى هذه الدراسة كل سنتين.
 
سأبدأ مقالتي بالنظرلنصف الكأس "المليان" وبالاشادة بجهود الدولة في تنظيم ومراقبة أسعار الادوية في الاردن. اذ يعتبر الاردن من أوائل دول المنطقة في التشريعات الدوائية و منها أسس تسعير الدواء. حيث يقوم على تسعير الدواء في الاردن لجنة متخصصة باشراف قسم التسعير في المؤسسة العامة للغذاء والدواء. وكان لي الشرف أن اخدم في هذه اللجنة مدة 4 سنوات (سنتان وتجدد لمرة واحد حسب التعليمات) اذ كنت على اطلاع تام بمهام اللجنة ومهام قسم التسعير والذي له دور كبير في السيطرة على الأسعار وتخفيض الكثير منها وفرض غرامات بمبالغ كبيرة أحيانا على بعض الشركات لعدم اخبار المؤسسة ان سعر الدواء قد انخفض في بلد المنشا واستمرت ببيع الدواء بالسعر الاعلى. وهذه شهادة امام الاردنيين وامام الله. واطلعت بالتأكيد على أسس تسعير الدواء. ومشكورة ايضا جهود المؤسسة العامة للغذاء والدواء على تنظيمها وتحديدها لهوامش ربح الصيدلية والمستودع في سلسلة التوريد والتوزيع الصيدلانية (pharmaceutical supply and distribution chain) وعدم تركها محررة الأمر الذي ساعد أيضا بضبط الاسعار الى حد ما. 
 
ومن ناحية فنية، فان أسعار الأدوية في كل دول العالم ليست ثابتة. فالأسعارعمومًا تتأثر بحركة الأسواق، وتتغير بمرور الوقت. على سبيل المثال، يدخل السوق دواء جديد (اصيل) حاملا براءة اختراع ويكون سعره مرتفع جدا حتى تنتهي صلاحية براءة الاختراع و/أو ظهور أدوية بديلة والتي تكون أسعارها منخفضة عن سعر الاصيل والتي يتم تسجيلها بعد انتهاء صلاحية براءة الاختراع. 
 
ويتألف نظام (أسس) تسعير الادوية في الاردن من 27 مادة وهو نظام موجود في دول سبقت الاردن في هذا المجال. يسمى هذا بنظام Two stage administered systems .ونحن بصدد المادة 7 فقرة ج و المادة 8 فقرة ج من النظام. . 
 
أولا: تنص المادة 7 على أنه يحدد سعر الدواء الاصيل للجمهور الاردني بأقل سعر ينتج بعد مقارنة سعر الدواء الجديد بسعره في بلد المنشأ وسعره في السعودية ووسيط سعره في 16 دولة مرجعية وهي: بريطانيا، فرنسا، اسبانيا، ايطاليا، بلجيكا، اليونان، هولندا، استراليا، قبرص، هنغاريا، ايرلندا، نيوزلندا، البرتغال، التشيك، كرواتيا والنمسا. 
 
وفي بعض الحالات تضطر اللجنة للجوء فقط لوسيط سعره في دول المرجع (الفقرة ج من المادة 7).
 
وهنا تبرز بعض الاسئلة حول دول المرجع: 
 
هل الحالة الاقتصادية في هذه الدول مشابهة للحالة الاقتصادية في الأردن؟! 
هل تستخدم كل هذه الدول نفس نظام/أسس التسعير؟! حسب معلوماتي لا (للعلم هناك اكثر من نظام لتسعير الادوية في العالم)
هل الاعباء المرضية في هذه الدول هي نفسها في الاردن؟! ام ان الاولويات الصحية مختلفة؟
 
ثانيا: تنص المادة 8 على أن يحدد سعر الدواء الذي له مثيل (الجنيس او البديل) بأقل سعر ينتج بعد مقارنته أولا بسعره في السعودية وثانيا بالسعر المطلوب من الشركة على أن لا يتجاوزالسعر المطلوب 80% من سعر الدواء الاصيل.
 
و في كثير من الحالات يكون السعر المطلوب من الشركة هو 80% (حسب الاسس) من سعر الاصيل ويكون السعر المطلوب اقل من سعره في السعودية فتلجأ اللجنة لمنحه سعر 80% من سعر الاصيل.
 
وهنا لا بد من الاشارة الى أنه واستنادا الى ارشيف منظمة الصحة العالمية و دراسات علمية عادة ما تنخفض أسعار الأدوية الجنيسة (البديلة) بعد انتهاء صلاحية البراءة وبسرعة. وتنخفض في كثير من الاحيان بنسبة تزيد عن 90٪ مقارنةً بسعر الدواء الاصيل، أي ان سعر الدواء الجنيس ممكن أن يساوي 10% من سعر الاصيل. أما ما يتبع في كثير من الاحيان في الاردن هو منحه 80% حتى لو كان هذا هو البديل رقم 100 وهذا يستوجب التوقف عند هذه المسألة. وأعتقد ان هذا سبب من اسباب الفروقات في سعر الدواء في الاردن وغيره من الدول.
 
بناءا على هذه التساؤلات اعتقد انه على اللجنة المكلفة التوقف عندها. 
 
والان سأعرض بعض الاقتراحات العامة التي من شأنها تخفيض اسعار بعض الادوية في الاردن:
 
هل يناسب الأردن سعر الدواء في السعودية؟ وما هو نظام التسعير المتبع في السعودية؟ ولماذا السعودية؟ اذا كانت سوق كبير لنعتمد سعر الدواء في مصر والتي فيها سوقا اكبر!
إعفاء الأدوية والمنتجات الصيدلانية من الضريبة وحتى المكملات الغذائية والتي سعرها في الاردن أعلى من سعرها بدول المنشأ
مراجعة قائمة الدول المرجعية و/او ادخال دول مصنفة اقتصاديا كالاردن (upper-middle-income ) وذلك حسب تصنيف البنك الدولي
عدم استخدام cost-plus  كسياسة وحيدة لتسعير الأدوية 
تمكين دخول الأدوية الجنيسة او البديلة الى الأسواق بشكل سريع من خلال ايجاد تشريعات تشجع على التقديم المبكر للتسجيل 
تشريعات تسمح للصيادلة باستبدال الدواء الموصوف بدواء بديل اقل سعرا
التفكير بموضوع "البونص" والذي بدوره يزيد من هامش ربح الصيدلية والمستودع وبالتالي عدم السيطرة على هامش الربح
تشريعات تشجع الاطباء على وصف الادوية باستخدام international nonproprietary name (INN)
توعية المستهلك فيما يتعلق بجودة وسعر الدواء البديل
 
والله من وراء القصد
 
اللهم اجعل هذا البلد امنا مطمئنا
 
أستاذ مشارك في الاقتصاد الصيدلي والصيدلة الادارية والاجتماعية
كلية الصيدلة
جامعة العلوم والتكنولوجيا الاردنية
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد