كيف تضيع حقوق العباد: العاملات في اليرموك مثالاً ؟ - د. رشيد الجراح

mainThumb

24-02-2020 12:00 PM

بدايةً لابد من الإشارة إلى أن هذا المقال لا يعبر إلا عن وجهة نظر الكاتب نفسه التي ربما تكون مغلوطة. لذا، وجب النظر فيها إلى أن ما جاء فيها ليس أكثر من رأي شخصي قابل للتصوب، ولا يجب أخذ ما فيها كمسلمات ثابتة لا جدال فيها.
 
أما بعد،
 
بصفتي أحد أعضاء هيئة التدريس في جامعة اليرموك، وأحد القاطنين في سكن الجامعة، أحببت أن أنقل (لمن يهمه الأمر) واحدة من التجارب التي عشتها بشخصي (الكريم) في الجامعة من وجهة نظري الخاصة التي ربما تكون خاطئة، وهذه التجربة تتعلق ببعض حقوق العاملات في الجامعة كما أفهمها أنا شخصيًا. لذا، ارجو أن يكون لدى القارئ الكريم (إن شاء) متسعًا من الوقت ليقرأ هذه التجربة كما أسطرها بيدي ، تاركًا الباب (شاكرًا ومقدرًا) لمن يرى غير ذلك أن يدلو بدلوه فيها. ولكن إن هو وجد فيما نزعم ما يستحق الانتباه، فنرجو منه أن ينقلها إلى صاحب القرار بأي وسيلة ممكنة، وإن هو وجد أنها مضيعة لوقته (وهو الاحتمال الأرجح)، فنحن نقدم له الاعتذار مسبقا، متعذرين بنيتنا (التي لا نزكيها كلها) في ارجاع بعض الحقوق (كما نتصورها) لأصحابها. والقضية برمتها لا تخصني شخصيًا ما دمت أني لست من المتضررين كثيرًا بها. وقد اخترت أن أكتب عن القضية بنفسي لقناعتي بأن من تمسهم المشكلة ربما لا يتجرأ أكثرهم على البوح بها لصاحب القرار خوفا من سوط المسئول المباشر له الذي يهدده (كما علمت من الكثيرين منهم) بالعقاب المادي الذي قد يمس قوت يومه. 
 
التجربة: حصل ذات مرة أن ذهبت (كأحد أعضاء الهيئة التدريسية القاطنين في الجامعة) منذ سنين خلت مع مجموعة من الأساتذة الكرام لنشكو للأستاذ رئيس الجامعة حينئذ ما آل إليه حال السكن الجامعي من نقص في بعض الخدمات الأساسية وتدهور حالة السكن بعد أن مضت سنين طويلة دون اصلاحات مرحلية جذرية عليه أو حتى صيانة جزئية متكررة له. وكان من بين تلك المشاكل الكثيرة (التي لم يُلبى شيء منها كما كنّا نأمل وما زلنا نتمنى) قلة النظافة الخاصة بدرج العمارات خاصة الشاهقة منها. وكان من بين الحلول (العملاقة) التي اقترحها ذلك الرئيس (الجليل) حينئذ هو العمل على اقتطاع جزء من راتب عضو هيئة التدريس القاطن فيها لنظافة الدرج. وكان الاقتطاع (وما زال) يتراوح بين 10-15 دينار شهريًا. وبالفعل تم تنفيذ قرار السيد الرئيس في الحال. وقد كُلفت العاملات في الجامعة منذ ذلك الوقت بتنظيف ذلك الدرج لجميع البنايات اسبوعيًا. وهنا نطرح السؤال المباشر، ألا وهو: هل تلقت العاملات في الجامعة (اللواتي كُلّفن بهذا العمل حتى الساعة) أي أجر جراء هذا العمل الإضافي أم تراه قد غدا (هذا العمل) وكأنه جزء من عملهن في الجامعة؟ والأغرب من ذلك كله هو أن جلّ المهمة قد اسندت إليهن في يوم السبت الذي من المفترض أن يكون راحة للعامل (أو دفع أجر اضافي مضاعف إن دعت الحاجة لذلك).
 
وهنا نتوقف لنسأل ذلك الرئيس (وكل الإدارات الجامعية التي جاءت من بعده) سؤالًا واحدًا، ألا وهو: إن حصل ولم يدفع لتلك العاملات شيئًا من تلك المبالغ التي اقتطعت من رواتبنا لهذه الغاية (كما أخبرني الكثير منهنّ)، فأين ذهبت (وما زالت تذهب) كل تلك المبالغ التي بدأ اقتطاعها منذ حوالي عشر سنوات؟ فبحسبة بسيطة، هناك في الجامعة ما يقرب من 100 شقة في ذلك السكن وحده، ولو ضربنا هذا العدد بالاقتطاع الشهري لوجدنا أن المبلغ المتحصل يقارب من 1000 دينار شهريا. وهو ما يقرب من حوالي 12000 ألف دينار سنويًا، ولو ضربنا هذا المبلغ بفترة العشر سنوات، لوجدنا أن المبلغ يناهز 100000 (مئة ألف دينار). ليكون السؤال الفوري هو: هل حصلت العاملات في الجامعة على شيء من هذه المبالغ طيلة هذه السنوات؟ من يدري؟ لا شك أننا سنكون مقدرين شاكرين لصاحب القرار أن يفتينا بواقع الحال!
 
الأستاذ رئيس الجامعة (بغض النظر عن اسمه) هل تعتقد أن هذا جزء من العمل الرسمي للعاملات في الجامعة؟ أم هو عمل اضافي كلّفن به ربما ارضاءً لنا نحن القاطنين في الجامعة (طبعا على حسابنا الشخصي) ودرء لوقوعك في اشكالات مع أقرانك من أساتذة الجامعة؟ من الرابح من هذه الصفقة؟ وعلى حساب من حللت جزء من تلك المشكلة؟ فإذا كنا نحن (القاطنين في السكن) من يدفع، وإذا كانت العاملات في الجامعة هنّ من يقمن بالعمل دون أجر؟ فهل يقتصر دورك على تحصيل المال من طرف ثم تكليف طرف آخر لا حول له ولا قوة به دون أجر يذكر (طبعًا إن صحت رواية بعض العاملات لي بذلك)؟
 
الأستاذ الرئيس (بغض النظر عن اسمه)، هل تعتقد أن من واجب العاملات في الجامعة أن يكنسن الزبالة التي يحدثها أبنائي على درج البناية؟ هل تعتقد أن من واجب العاملات أن "يشطفن" الدرج من تحت أرجل زوجتي حتى لا يتسخ فستانها الجميل؟ أما أنا، فإني أبرأ إلى الله مما تفعلون (إن صحت الرواية طبعًا)؟ فأنا أدفع من جيبي أجرًا ليدخل جيب من تقوم بهذا العمل، وليس ليتكدس في خزائنكم؟
 
الأستاذ الرئيس (بغض النظر عن اسمه)، أرجو أن تعلم يقينًا بأني شخصياً أربأ بجامعتي كمؤسسة وطنية محترمة أن تكون غاية القائمين عليها منصبًا على تحصيل الأموال مهما كانت الوسيلة، وإلاّ فعليكم أن تدفعوا تلك الأموال إلى مستحقيها، ولا أظن أن هناك من يستحق هذه الأموال غير تلك النسوة اللاتي اخترن ترك أولادهن منذ الفجر الباكر بحثًا عن لقيمات لمن تركن خلفهن؟ فكيف تطيق نفوسكم (أنا أتساءل) أن تهضموا حقوق تلك الفئة من العاملين بمعيتكم سواء علمتم بذلك أم لم تكونوا من العالمين، أو أن تكلفوهن بما لا طاقة لهن به، أو أن تضعوا على أكتافهن حملًا اضافيًا يتعارض مع أبسط حقوق العامل في الأجر والكرامة؟
 
الأستاذ الرئيس (بغض النظر عن اسمه)، إذا كان مبلغ الخمسين دينارًا قد لا يكفي أحد أبنائنا في رحلة مدرسية يومية إلى موقع أثري داخل المحافظة ذاتها، فإنه قد يعني الكثير لمثل هذه الفئة من العاملات في الجامعة. فعجبي ممن يتقاضى ما يزيد عن العشرة ألاف من الدنانير شهريًا، وهو يعلم أن من يقف على باب مكتبه (حارسًا أمينًا له) لا يتقاضى أكثر من 200 دينار شهريًا، فكيف يتوقع منه أن يحرسه بنية صادقة؟ وهل تظن أن ما في قلب رجل الأمن هذا تجاهك هو حقًا ما ينطق به لسانه أمامك؟ من يدري؟!
 
وكيف بنفس ذاك الطبيب أو المهندس أو المحامي أو التاجر الذي يصرف شيكًا بعشرات الالاف شهريًا لا تطيق أن تدفع للعامل الذي يقضي معظم وقته يجهز العمل كله له ما يكفي لسد حاجاته المعيشية الأساسية، فهو لا يتقاضى سوى بضع مئات من الدنانير ربما لا تكفي مصروفاً جيبياً لأحد أبناء صاحب العمل، فهل تظن عزيزي (صاحب القرار) أن هذا الموظف سيكون مرتاحًا راضيًا بواقع الحال؟ أم تراه يغتابك أكثر مما يحاورك بصدق وأمانة؟
 
لا يجب أن يفهم من كلامي هذا أني أريد مساواة هذا بذاك في الأجر، فلا شك أن لكل أجرًا. لكن ما أود قوله ما الذي يضيرك لو اقتطعت جزء من دخلك الكبير جدًا ليضاف إلى الدخل القليل جدًا لمن يعمل بمعيتك؟ إن جل ما نطلبه ليس أن يصل هؤلاء (الضعفاء) إلى حد الغنى، بل ربما يكفيه ما يسد حاجته فقط. اعطوهم (يرحمكم الله) ما يسدّ حاجتهم، ثم خذوا ما شئتم. أما أن تأخذوا ما شئتم وأنتم تعلمون أن من حولكم لا يأخذ ما يكفيه، عندها يجب أن نقتنع جميعًا أن ما بنا من المشاكل كلها ليست مشكلة قوانين وأنظمة وتشريعات بقدر ما هي أزمة أخلاق حقيقية. إن أبسط ما نطالبكم به هو أن تشعروا بمن حولكم كما تفكرون بملء حساباتكم البنكية، راجيا في الوقت ذاته ألا تضيع حقوق العباد على يد من يظن أن هذه حقوق له لا جدال فيها، ليعمر بها القصور، ويركب بها السيارات الفارهة، ويقتني الأثاث الفاخر، ثم يكتب (ظلمًا وزورًا) على الحجر الأبرز في مداخل أبواب منزله الفخم – هذا من فضل ربي. 
 
أما أنا، فلن أتوقف عن البحث عمن أعطاكم النعمة هذه كلها وفي الوقت ذاته حُرمت الغالبية الساحقة ممن يعملون معكم من أبسط مقومات الحياة! اسمحوا لي - يا سادة- أن أقول لكم أن هذا ما كتبتم بأيديكم، ثم أدعيتم أنها حق شرعي لا غبار فيه، فاسمعوا يرحمكم الله إن شئتم قوله تعالى:
 
فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ (79)
 
وبالنهاية انتو حرين، زي ما بدكو. 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد