الجريمة الانتخابية

mainThumb

30-10-2020 05:52 PM

نظم المشرع الأردني القواعد الناظمة للعملية الانتخابية لانتخاب أعضاء مجلس النواب بشكل دقيق ، نظرا لأهمية هذه الانتخابات ولأهمية دور مجلس النواب باعتباره أحد شقي السلطة التشريعة في الأردن وتكريسا لأحد المبادئ والحقوق والحريات التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية ونص على ضرورة إحاطتها بقواعد قانونية كافية لضمان وإضفاء صفة النزاهة على هذه العملية ، وبالتالي فقد كان لزاما على المشرع أن يتدخل بتنظيم هذه العملية .
فابتداء نظم الدستور الأردني العديد من القواعد التي تحكم العملية الانتخابية ، كطريقة الانتخاب والمبادئ التي تحكم عملية الانتخاب في كافة مراحلها ، فقد نص المشرع الدستوري في المادة (67) من الدستور على ( يتألف مجلس النواب من أعضاء منتخبين انتخابا عاما سريا ومباشرًا وفاقا لقانون للانتخاب يكفل الامور والمبادئ التالية :
أ- حق المرشحين في مراقبة الاعمال الانتخابية .
ب- عقاب العابثين بإرادة الناخبين
ج- سلامة العملية الانتخابية في مراحلها كافة.
ثم بعد ذلك صدر قانون يعنى بتنظيم العملية الانتخابية وفقا للرؤية الدستورية التي ارتآها المشرع الدستوري ، وقد مر هذا القانون بالعديد من التعديلات وكان آخرها هو قانون الانتخاب لمجلس النواب رقم 6 لسنة 2016 ، وقد كرس هذا القانون بقواعده - سواء التنظيمة أم التجريمية - المبادئ الدستورية ، وهذا ما سيتم توضيحة تاليًا بالنسبة للنصوص التجريمية الواردة في قانون الانتخاب لمجلس النواب .
بداية فقد عرف الفقه الجريمة الانتخابية بأنها :كل فعل إيجابي أو سلبي يعاقب عليه القانون ويرمي إلى الاعتداء على حق سياسي من خلال استهداف المس بحرية أو شرعية أو سلامة أو سرية أو نزاهة الانتخابات قبل أو أثناء أو بعد الاقتراع .
وتتكون الجريمة الانتخابية كغيرها من الجرائم من ثلاثة أركان :
أ . الركن الشرعي ب. الركن المادي ج. الركن المعنوي د. الركن المفترض ، بالنسبة لبعض الجرائم ، ويتمثل بصفة خاصة متطلبة في محل الجريمة أو في فاعل الجريمة أو المجني عليه .
أولا : الركن الشرعي وهو النص التجريمي الوارد في قانون الانتخاب والذي يتم من خلاله تحديد الركن المادي والمعنوي للجريمة الانتخابية
ثانيا: الركن المادي و يعرف بأنه الفعل الجرمي المعاقب عليه والذي يؤدي إلى النتيجة الجرمية مع ضرورة توافر علاقة سببية تربط بين هذا الفعل والنتيجة المتحققة ، وهو بالنسبة للجريمة الانتخابية كل فعل غير مشروع أو امتناع عن فعل مشروع أوجب القانون القيام به ويترتب نتيجة ذلك الفعل نتيجة جرمية منصوص عليها في قانون الانتخاب ، وسيتم تحديد الركن المادي للجريمة الانتخابية بناء على الأساس الدستوري الذي تم خرقه :
أ . الجرائم الماسة بحق المرشحين في مراقبة العملية الانتخابية
إذا لم يقم أحد أعضاء اللجان بفتح صندوق الاقتراع امام الحاضرين من المرشحين أو المندوبين عنهم قبل البدء بعملية الاقتراع للتأكد من خلوه ، ويلاحظ هنا أن المشرع اشترط لتحقق هذه الجريمة وجود عنصر مفترض بأن يكون فاعل الجريمة هو عضو لجنة الانتخاب.
ب. الجرائم الماسة بإرادة الناخبين
1. حمل سلاحا ناريا وان كان مرخصا أو أي أداة تشكل خطرا على الأمن والسلامة العامة في أي مركز من مراكز الاقتراع والفرز يوم الانتخاب ، فمثل هذه الأفعال تشكل إكراها ماديا يؤثر في إرادة الناخبين واختياراتهم .
2. دخل إلى مركز الاقتراع والفرز بقصد التأثير على إرادة الناخبين أو شراء الأصوات أو التأثير في العملية الانتخابية أو تأخيرها أو بقصد التعرض بسوء لأي من المسؤولين عن إجرائها.
3. أعطى ناخبا مباشرة أو بصورة غير مباشرة أو اقرضه أو عرض عليه أو تعهد بأن يعطيه مبلغا من المال أو منفعة أو أي مقابل آخر من أجل حمله على الاقتراع على وجه خاص أو الامتناع عن الاقتراع أو للتأثير في غيره للاقتراع أو الامتناع عن الاقتراع، كالمرشح الذي يتعهد بتوفير فرص عمل لمن يقوم بالتصويت له
4. قبل أو طلب مباشرة أو بصورة غير مباشرة مبلغا من المال أو قرضا أو منفعة أو أي مقابل آخر لنفسه أو لغيره بقصد أن يقترع على وجه خاص أو أن يمتنع عن الاقتراع أو ليؤثر في غيره للاقتراع أو للامتناع عن الاقتراع ، كالناخب الذي يطلب الحصول على منفعة مقابل التصويت لمرشح معين .
5. احتفظ ببطاقة انتخاب عائدة لغيره دون حق أو استولى عليها أو أخفاها أو أتلفها.
ج. الجرائم الماسة بسلامة العملية الانتخابية في مراحلها كافة .
1. ادعى العجز عن الكتابة أو عدم معرفتها وهو ليس كذلك.
2. عدم التزام المرشح بالقواعد التي ألزمه بها قانون الإنتخاب ، كقيامه بالتعرض للمشحين الآخرين أو قيامه بالدعاية الانتخابية في الأماكن كدور العبادة .
3- انتحل شخصية غيره أو اسمه بقصد الاقتراع في الانتخاب.
4 - استعمل حقه في الاقتراع اكثر من مرة واحدة.
5- عبث باي صندوق من صناديق الاقتراع أو الجداول الانتخابية أو الأوراق المعدة للاقتراع أو سرق أيا من هذه الجداول أو الأوراق أو اتلفها أو لم يضعها في الصندوق أو قام بأي عمل بقصد المس بسلامة إجراءات الانتخاب وسريته.
6- إذا أحد أعضاء اللجنة الانتخابية بأي من هذه الأفعال
أ - إدخال اسم شخص في أي جدول من الجداول الانتخابية لا يحق له أن يكون ناخبا بمقتضى أحكام هذا القانون أو تعمد حذف أو عدم إدخال اسم شخص في تلك الجداول يحق له أن يسجل فيها ناخبا وفق أحكام القانون عمدا .
ب. إذا أدخل بيانا كاذبا في طلب الترشح أو في الاعلان عنه أو في أي من البيانات الواردة فيه أو في تاريخ تقديمه أو في اي محضر من المحاضر التي تم تنظيمها بمقتضى احكام هذا القانون أو في الاعتراض المقدم على الجداول الانتخابية أو في أي وثيقة اخرى يتم تنظيمها بمقتضى احكام هذا القانون .
ج. إذا استولى على أي وثيقة من الوثائق المتعلقة بالانتخاب دون حق أو أخفاها أو ارتكب أي تزوير فيها بما في ذلك إتلافها أو تمزيقها أو تشويهها.
د. أخر دون سبب مشروع بدء عملية الاقتراع عن الوقت المحدد لذلك أو أوقفها دون مبرر قبل الوقت المقرر لانتهائها بمقتضى احكام هذا القانون أو تباطأ في أي إجراء من إجراءاتها بقصد إعاقتها أو تأخيرها.
ه. قرأ ورقة الاقتراع على غير حقيقتها وبصورة تخالف ما ورد فيها.

و .امتنع عن تنفيذ أي حكم من أحكام هذا القانون المتعلق بعمليات الاقتراع وإجراءاته أو فرز الأصوات أو خالف أي حكم من أحكام هذا القانون بقصد التأثير في أي من نتائج الانتخابات المقررة بمقتضى أحكامه.

7- أثر في حرية الانتخابات أو أعاق العملية الانتخابية بأي صورة من الصور ، ويلاحظ من هذا النص أن المشرع أراد توفير الحماية الجزائية من أي سلوك قد يؤثر عليها وعدم تحديد أنماط السلوك الجرمي التي قد تمس سلامة العملية الانتخابية .
ثم بعد ذلك وضع المشرع نصا احتياطيا يجرم كل فعل لم ينص على عقوبة خاصة له في هذا القانون ، حيث نصت المادة 61 من هذا القانون على أنه (كل مخالفة لأحكام هذا القانون لم ينص على عقوبة خاصة لها يعاقب مرتكبها بالحبس مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على ستة أشهر أو بغرامة لا تقل عن مائة دينار ولا تزيد على ثلاثمائة دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين.)
ثالثا : الركن المعنوي : وينقسم الركن المعنوي إلى قسمين:
أ- القصد العام: وهي اتجاه إرادة الشخص الى ارتكاب الفعل الماس بسلامة العملية الانتخابية أو الفعل الماس بإرادة الناخبين أو الفعل الناس بحقوق المرشحين مع علم الجاني بذلك.
ب- القصد الخاص: وهي أن يهدف الجاني من فعله تحقيق غاية معينة ، وبالنسبة لجرائم الانتخابات فقد اشترطه المشرع بالنسبة لبعض أشكال السلوك الجرمي فيها ، ومن الأمثلة عليها :
أ - انتحال شخصية الغير لغايات الاقتراع
ب- العبث بصناديق الانتخاب بقصد المساس بسلامة الانتخابات وصحتها ونزاهتها
ج- قيام عضو لجنة الانتخاب بتأخير البدء بعملية الاقتراع بقصد إعاقة العملية الانتخابية

أما بالنسبة للعقوبات التي فرضها المشرع على جرائم الانتخاب ، فقد تراوحت ما بين العقوبات الجنحوية سواء بالحبس أو الغرامة والعقوبات الجنائية بالنسبة لبعض الجرائم التي تمس نزاهة وسلامة العملية الانتخابية بشكل كبير ، ولسعي المشرع لتوفير حماية أكبر للعملية الانتخابية فقد أعطى الصلاحية للقاضي بأن يفرض العقوبة الأشد في حال توافرت شرائط وأركان جرم آخر منصوص عليه في قانون آخر غير قانون الانتخاب ، وهذا ما يشكل خروجا على القواعد العامة في التجريم في قانون العقوبات ، حيث نصت المادة (2/57) من قانون العقوبات على أنه ( إذا انطبق على الفعل وصف عام ووصف خاص أخذ بالوصف الخاص ) أي بمعنى أن الأصل أن ينطبق الجرم المنصوص عليه في قانون الانتخاب ، ولكن وخروجا عن القواعد العامة فإنه بالنسبة لجرائم الانتخاب فيتم الأخذ بالوصف الأشد للجريمة في جميع الأحوال حتى ولو كان وصفا عاما .
ّونشير أخيرا إلى القواعد الإجرائية بالنسبة للمحاكمة عن جرائم الانتخابات ، فإنه كأصل تتبع القواعد الغامة في قانون أصول محاكمات جزائية سواء من حيث المحكمة المختصة بنظر الجرم أو من حيث قواعد الاختصاص المكاني أو طرق الإثبات وشروطها وطرق الطعن إلا أن المشرع قد خص جرائم الانتخابات عن باقي الجرائم في مسألتين :
أ . من حيث إضفاء صفة الضابطة العدلية ، فقد اعتبر قانون الانتخاب رئيس مجلس مفوضي الهيئة وأعضائها ورؤساء لجان الانتخاب وأعضائها ورؤساء لجان الاقتراع والفرز ورؤساء أي لجان أخرى مشكلة بموجب أحكام قانون الإنتخاب من أفراد الضابطة العدلية ، ويترتب على ذلك أن أي إجراءات يجب اتخاذها من قبل الضابطة العدلية فيجب أن تكون من قبل أعضاء الضابطة العدلية المختصة والتي حددها قانون الانتخاب حصرا وإلا ترتب على تلك الإجراءات البطلان ، وهذا ما أكدته محكمة التمييز في مضمون قرارها رقم ( 2019/2049) .
ب - بالنسبة لتقادم الجرائم الانتخابات ، فقد خرج المشرع عن قواعد التقادم في قانون أصول محاكمات جزائية وجعل مدة تقادم جرائم الانتخابات ثلاث سنوات سواء أكانت جناية أم جنحة .
وبذلك نكون قد أحطنا بجميع القواعد الموضوعية والإجرائية التي وضعها المشرع فيما يتعلق بجرائم الانتخابات ، ولنا في ذلك بعض الملاحظات - الايجابية أو السلبية - حول موقف المشرع من ذلك :
أولا : نلاحظ أن المشرع قد توسع بشكل كبير في الحماية الجزائية للعملية الانتخابية وهذا ظاهر من عدة أمور :
1- إن النصوص التجريمية هي نصوص فضفاضة من حيث الصياغة بحيث تشمل أي فعل قد يمس بالعملية الانتخابية
2- ثم بعد ذلك وضع نصا احتياطيا يعاقب على كل فعل يمس هذه العملية ولم يرد له عقوبة خاصة
3- أن المشرع قد ساوى في العقوبة بين الفاعل الأصلي والشريك والمتدخل والمحرض ، وذلك خروجا على القواعد العامة .
4- أعطى الصلاحية للمحكمة بتطبيق عقوبة أي جرم آخر تكون عقوبته أشد من العقوبات المنصوص عليها في هذا القانون ، حتى ولو كان ذا وصف عام .
ثانيا :
يلاحظ أن المشرع قد جعل مدة التقادم بالنسبة لهذه الجرائم قصيرة على الرغم من خطورة آثارها ، وعلى الرغم من أنه قد جعل مدة تقادم جرائم الانتخابات الواردة في القوانين الاخرى - كقانون البلديات وقانون اللامركزية - خمس سنوات ، ويرى الباحث أن المشرع قد جانب الصواب من هذه الناحية .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد