اقتراب زوال الاستعمار الغربي

mainThumb

12-11-2020 07:32 PM

عندما اشتد الضغط على أوروبا لمغادرة مستعمراتها بعد الحرب العالمية الثانية من قِبل أميركا، كانت أوروبا خارجة من الحرب منهكة، لذلك انحنت قليلا أمام القوة المنتصرة دون أن تتخلى عن مستعمراتها في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا، فاعتمدت على أنظمتها لتظهر كمسرح عرائس تتحرك والخيوط بيد فرنسا وبريطانيا حتى تشاغل أميركا لتكسب الوقت، فمكنت عملاءها من العرب في المنطقة وصنعت لهم دولاً صورية مهمتها الوقوف أمام المد الأميركي، لتحافظ أوروبا على مستعمراتها ريثما تلتقط أنفاسها وتجد الحيلة المناسبة لصد أميركا عن ارثها الاستعماري الذي كانت أميركا قبل قرنين جزءا منه، وبعد أن اطمأنت على الكيانات العربية، وضعت أكبر أنظمتها الحارسة لوجودها وهي اسرائيل.
 
وفي الوقت الذي كانت أميركا تضيق الخناق على الاستعمار القديم لتحل محله عن طريق الانقلابات، فكر الانجليز بدهائهم المعهود أن يعيدوا المارد الذي جلبوه هم الى قمقمه في المحيط الهادي ليدافع عن منطقته ويغادر الشرق الأوسط، فقررت بريطانيا تمكين الصين من التكنولوجيا، وبناء دولة قوية على أسس صحيحة، ولم تنتبه أميركا إلا والصين موضوعة على السكة في طريقها الى أن تكون دولة عملاقة تكاد تبتلع كل شيء بلا سلاح وبلا جيوش صاخبة، انتبهت أميركا ولكن الوقت كان متأخراً، ولن تستطيع ايقاف هذا العملاق الذي يمد أذرعه في كل مكان وخاصة في أوروبا وسينافس أميركا براً وبحراً..
 
لم تستسلم أميركا ولم تعُد الى المحيط الهادي كما قدّر الانجليز والفرنسيون، ولم تتوقف عند هذا، بل استخدمت نفس السلاح الأوروبي، لكنه أشد وطأة على أوروبا، حيث فعلت مع تركيا ما فعلته بريطانيا مع الصين، وبدأت  توقظ عملاقا آخر تاريخي نائم يثير الرعب في أوروبا،  فنزعت عن تركيا قيود الفساد التي وضعتها عليها أوروبا لتبقيها في حالة موت سريري، وبدأت تمكنها من بناء دولة حقيقية تستطيع أن تنمو وتتقدم وتعيد الكابوس العثماني الى أوروبا، وهو كابوس ظنت أوروبا أنها نسيته، لكن الطمع الزائد والشره المجنون، والروح الأوروبية التي تلغي الآخر، صنع نتائج عكسية..
 
وما دام أن أميركا تعلمت أخيرا من مأزقها في العراق، وصارت تبعد جيوشها عن الالتحام المباشر مع جماعات اوروبا المسلحة في افغانستان والعراق وسوريا وليبيا، فلابد لها من دعم دول تقوم بهذا الدور، وأي كيان تستطيع أميركا انتزاعه من فرنسا وبريطانيا سواء كان في شمال أفريقيا أو في الشرق الأوسط، سوف يشكل كارثة لفرنسا أولا ولأوروبا ثانيا، لذلك تنشط فرنسا الان، وتعقد المؤتمرات مع دول  أوروبا لتلافي هذا السيناريو..
 
وبما أن صراع الطامعين إما أن يفلت الفريسة من براثنهم، وإما أن يجهز أحدهما على الآخر.. وهذا سيكون على وتيرة سريعة، وما على شعوب العالم المستعمر إلا أن تستعد لاغتنام الفرصة واستعادة حريتها وبناء دولٍ حية.. 
 
والواضح أن العالم بدأ ينفلت فعليا من يد الغرب المتوحش، وهو في طريقه للانعتاق، ومع مزيد من الأخطاء التي يسببها الجشع والاستحواذ والأنانية الغربية سيتغير الموقف الدولي بشكل انقلابي في أقل من عقد من الزمان، لأن أوروبا تخطط خلال العقد القادم لمجابهة نهوض قوى تاريخية كتركيا، وأميركا تحاول وضع الخطط لمجابهة الصين..
 
لكن السؤال الأخير: ما مدى نجاح القوى الغربية في إبقاء مستعمراتها مجمدة في النيتروجين السائل وتوقف الزمن عندها دون أن تتأثر شعوبها برايات الحرية التي يطلقها كل منافس استعماري على حظائر منافسه، في زمن الانفتاح والانترنت؟!!.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد