الخيار الفرنسي في تأليب المعارضة الأفغانية على طالبان، والرجل اللغز!

mainThumb

22-08-2021 04:12 PM

من الصعب أن تحكم على نتائج جلاء القوات الأمريكية من أفغانستان ما دامت في طور التفاعل لأن المعطيات لم تتبلور بعد وغير جاهزة كمعطيات.
صحيح أن الظروف الدولية مهيأة نسبياً للتعامل مع طالبان إذا ما تحررت من عزلتها واندمجت في المجتمع الدولي، وحافظت على الحريات العامة وضمنت حقوق الإنسان وبخاصة المرأة، وحفظ الأمن والاستقرار الداخلي، بغض النظر عن شكل الدولة وقوانينها حتى لو جاءت على شكل " إمارة إسلامية" يحكمها دستور إسلامي صرف، تضم مجلسَ حكم ترأسه سلطة عليا لرئيس أو مرجعية دينية كشأن النظام الإيراني، أو أن يكون البرلمان الأفغاني مجلساً للشورى أسوة بإمارات الخليج العربي، ما دام كل ذلك سيؤدي إلى الاستقرار في تلك المنطقة الملتهبة.. 
وتدرك طالبان أن مهمتها صعبة ولكنها غير مستحيلة، لهذا على طالبان أن تثبت للمجتمع الدولي بأنها ستطور منظومتها السياسية؛ لتتحول إلى بلاد جاذبة للاستثمار، وأن أبوابها مفتوحة للتغيير، ولن تكون حاضنة للحركات الإرهابية التي تتخوف منها دول العالم وبخاصة الصين وروسيا وهما الشريكان الاقتصاديان المحتملان لأفغانستان بعد ثبوت استقرارها.
ولكن ما يهم دول الاتحاد الأوروبي بالدرجة الأولى، هو أن لا تتحول تلك البلاد التي ظلت حبيسة الصراعات منذ أكثر من عقدين منبعاً لأفواج جديدة من اللاجئين الأفغانيين.
لهذا فكل الدول ستكثف جهودها لإنهاء أزمة كان لها أثراً سلبياً على العالم منذ تفجيرات برجي التجارة العالمية في نيويورك في 11 سبتمبر 2001. 
إلا بعض الدول مثل: فرنسا التي أبدت للعيان ما لا تبطنه النوايا، ورغم ذلك فإن ما رشح من خبايا الموقف الفرنسي إزاء طالبان يُعَدُّ كافياً لبناء حكم على الدور الفرنسي المشبوه القائم على "الإسلام فوبيا"، كما لمح إلى ذلك الرئيس الفرنسي ماكرون، وهو دور تحريضيٌّ تجاوز بتطرفه موقف الدولة التي انسحبت من هناك وهي تجر أذيال الخيبة، أمريكا.
أيضاً الولايات المتحدة بات لديها ثأر مبيت ضد حركة طالبان بسبب إرغامها على الجلاء. 
ثم دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تتخوف من دعم طالباني محتمل لحركتي حماس والجهاد الإسلامي بالإضافة إلى عدائها لكل ما هو إسلامي من باب سد المنافذ على أي وجود لحركة مسلحة خارج نطاق الاستراتيجية الاستخباراتية للموساد في الشرق الأوسط.
وهذا يفسر قيام فرنسا وبالتنسيق مع حلفائها بإرسال أهم رجل مخابرات فرنسي، برناند هنري ليفي، إلى أشد المناطق الأفغانية معارضة في أفغانستان، ولاية بنشير التي يسكنها 150 ألف أفغاني من العرق الطاجيكي، بغية إغراقها في الأزمات للحيلولة دون نجاح طالبان في بناء مشروع دولة قوية مستقرة.. ولو جاء ذلك على حساب الشعب الأفغاني الذي عانى من الحروب لأكثر من عقدين.
وبنشير عبارة عن وادي متفرع طويل محاط بالجبال الوعرة التي يتراوح ارتفاعها ما بين ألف و ثلاثة آلاف متر فوق سطح البحر، وتمر من خلاله أهم الطرق الاستراتيجية التي تربط الشمال بالجنوب، ويقطن هذا الوادي السحيق الأفغانيون الطاجكيون المعارضون للعرق البشتوني الذي يشكل 40% من أفغانستان، ويمثل القاعدة العرقية لطالبان، مع أنهما من نفس الطائفة السنية.
ويرأس المعارضة الأفغانية بمكونها الطاجيكي الشاب الثلاثيني أحمد شاه مسعود، خريج سانت هيرس، والموالي للفرنسيين، وهو ابن شاه مسعود الذي تمت تصفيته عام 2001، رجل فرنسا الذي كرمه الفرنسيون بإطلاق شارع باسمه في باريس.
والجدير بالذكر أن أحمد شاه مسعود أعلن معارضته لطالبان، وقال في مقال نشرته صحيفة “واشنطن بوست”، الأربعاء، أنه سيصمد أمام طالبان. وطلب من واشنطن الدعم بالأسلحة والذخائر للميليشيات التي يقودها.
منوهاً إلى أن فلول الجيش الأفغاني “الغاضبين من استسلام قادتهم” وكذلك بعض أعضاء القوات الخاصة الأفغانية، لجأوا إلى ولاية بنشير.
مؤكداً على أنهم باتوا من جماعته.
وكان على رأس من فرَّوا إلى بنشير، رجل أمريكا، أمر الله صالح، النائب الأول للرئيس الأفغاني الهارب، الذي يحاول الآن حشد معارضة أفغانية فاعلة ضد طالبان، معبراً عن دعمه للاحتجاجات التي خرجت في بعض المدن الأفغانية حاملة العلم الأفغاني ضد طالبان.. وقد يشكل للمعارضة لو نجحت نواياه مدخلاً لالتحاق أعراق أخرى إلى المعارضة، ولكن مراقبين يرون بأنه رهان خاسر، وإن سيتلقى دعماً أمريكياً من باب كونه يمثل الشرعية بفعل غياب الرئيس.
وطالب أحمد شاه مسعود بدعم الدول الغربية وبخاصة أمريكا وفرنسا إعلامياً وسياسياً وتزويد جماعته بالسلاح.. دون مراعاة لمستقبل أفغانستان وحياة الأفغانيين في الوقت الذي يعد ذلك استقواءً بالأجنبي.
ولسبر أغوار المشهد الأفغاني من هذا الجانب، فلا بد من التعرف على شخصية برناند ليفي المنتدب الفرنسي الذي أنيطت به سراً مهمة تنظيم معارضة مسلحة ضد طالبان في الإقليم الأفغاني المعزول "بنشير" وبشكل غير معلن، حيث وَفَدَ إلى معقل المعارضة بصفة صحفي. 
ولهذا المفكر عقيدة صهيونية واضحة المعالم، وتختلط في أفكاره الدعوة إلى مقاومة الإرهاب الدولي والعداء لكل ما هو مسلم لذلك يبدي عداءه لجماعة الأخوان المسلمين وحركة طالبان، ويحسن ليفي الدفاع عن الكيان الصهيوني، ويبشر به كمحرك على التقدم والازدهار في الشرق الأوسط، ويؤمن بالإبراهيمية كحاضنة شعبية للتطبيع.
والغريب أن ليفي بالرغم من كونه يهودياً إلا أنه كان من أبرز قادة الحركة الفلسفية المدرسية الجديدة عام 1976.. والتي تقوم على إعادة إحياء وتطوير فلسفة العصور الوسطى المدرسية المتعلّقة باللاهوت الروماني الكاثوليكي، فكيف بمفكر يهودي يتبوأ مكانة قيادية في حركة فكرية تقوم على الإرث الكاثوليكي عام 1976 لولا علاقته بأجهزة المخابرات؟
فبدلاً من قيامه بدور توفيقي يكون من شأنه حقن الدماء وتبني نهجاً إنسانياً يقوم على الحوار، يذهب ليفي -وفق المؤشرات على الأرض- وبدم بارد إلى ممارس دور استخباراتي تحريضي ضد مستقبل أفغانستان بقيادة طالبان، وهذا لا يوحي بكون صاحب هذه الأفكار الهدامة فيلسوفاً طاهر النوايا، إنما جاء ليقوض البناء توافقاً مع سياسة رئيس بلاده، ماكرون.
مطلوب من طالبان أن تشاغل هذا الأمر الطارئ بتعقل من خلال كسب تأييد القبائل بغض النظر عن العرق والدين، استكمالاً لمهمة الملا عبد الغني براذر التي بدأها في قندهار ، فالطريق صعب والمسالك أكثر وعورة من تضاريس أفغانستان التي تنتظر من ينقذها من براثن المتربصين بها.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد