الوطن العبّارة - إبراهيم الزبيدي

mainThumb

24-03-2019 02:49 PM

 حتى الحجر الذي ليس له قلب وضمير وشرف ودين لم يستطع أن يمسك دموعه ويُسكت أنينه وهو يتابع أخبار الكارثة الجديدة، التي تضاف إلى الكوارث المتواصلة التي تحملتها المدينة الثكلى الجريحة الصابرة الحزينة، أم الربيعين، من سنين. أما أحباؤنا في الشقيقة، إيران، ومعها المرجعية والبدريون والمالكيون والصدريون والحكيميون، فصامتون، لا صورة ولا صوت ولا حياء.

 
لا شك في أن الموصل ليست وحدها التي أصبحت عبّارة تأخذ فلذات أكبادها ورجالها ونساءها إلى مدافن تحت الماء، بل هي الدولة العراقية، كلها، بقضها وقضيضها، عبّارة حاملة فلذات أكبادها ورجالها ونساءها إلى غرق أكيد.
 
فلو كان العراق دولة ذات سيادة، ولها كرامة، ويحكمها أبناؤها النجباء وليس الوكلاء، وتُسيُّرها القوانين والمؤسسات، مثل باقي دول البشر الأخرى التي تحترم نفسها وأهلها، لأطاحت كارثة من وزن عبّارة الموصل وحجمها، بجميع رؤوس الحكم، من أعلاها إلى أسفلها، في ساعات، ولبدأ القضاء العادل النزيه الشجاع، وعلى الفور، بجرجرة الكبار قبل الصغار إلى ساحة القصاص.
 
فنكبة كنكبة الحدباء العزيزة لا تحدث إلا في بلاد القبائل البدائية التي تعيش في حضيرة الأغنام، وتعلف كالأغنام، تنام كالأغنام، تبول كالأغنام، تدور كالحبة في مسبحة الإمام، كما قال نزار.
 
فدولتنا ليس لها نوع ولا لون ولا رائحة ولا طعم. مزرعة لجيوش من الفاسدين والمختلسين والمرتشين أرباب السوابق.
 
والمتعارف عليه أن جريمة تحويل الدولة العراقية إلى عبّارة كان قد ابتدأ في الغزو الأميركي الإيراني المزدوج للعراق في أبريل 2003.
 
لكن البداية العملية الحقيقية لتكريس شكل الدولة العبّارة كانت يوم تربع على كرسي قيادة الوطن العريق والشعب الأصيل مخلوق يُدعى نوري المالكي بجشعه وتخلفه الديني والطائفي، وحقده الطفيلي الأعمى ليس على طائفة غير طائفته، ولا قومية غير قوميته، ولا دين غير دينه، بل وزع أمراضه المزمنة على أهل مذهبه وقوميته ودينه، بل على رفاقه في حزبه نفسه، دون تفريق ولا تمييز.
 
وهذه القناعة ليست قائمة على أساس التخمين، بل على أكداس الوثائق والملفات التي أكلتها الأتربة في مكاتب هيئة النزاهة وفي البرلمان ولدى القضاء، وعلى المئات من حكايات الفساد والاختلاسات والعمولات التي لا تملُّ من إطلاقها، من يوم الولادة وحتى اليوم، شخصيات سياسية ودينية وشعبية عبر الصحف والفضائيات والإذاعات، مدعّمة بصور المراسلات والبيانات والحقائق المؤكدة.
 
إيران التي تحكم العراق، مباشرة أو بالواسطة، تحتكر كراسي الحكم، من أعلاها إلى أدناها، ومن أكبرها إلى أصغرها، ولا يستطيع عاقل وعادل ونزيه أن ينكر ذلك. وعليه فهي، من أجل تحلية احتلالها، وتسهيل بلعه على العراقيين، تحتاج إلى ممثلين كومبارس شيعة وسنة، عربا وأكرادا، مسلمين ومسيحيين، لا تشترط فيهم سوى ألا يكون بينهم رجل حقيقي، وطني، شجاع، شهم، ونزيه، بل إن أفضلهم لديها وأقربَهم إلى قلب وليها الفقيه أكذبهم، وأكثرهمُ انتهازية، وأقلهم ذمة، وأشدهم ظلما وقسوة.
 
وها أنتم ترون معي وتسمعون أخبار المالكي الذي ما زال يصول ويجول، برغم كل ما جنى وافتعل. أليس هو، أمس واليوم وسيظل إلى الغد، خطًّ قاسم سليماني الأحمر؟
 
طائفي لآخر نفس، لم يختر في عهده الطويل الأسود وغير الميمون مستشارين ومساعدين ومرافقين ووكلاء إلا من طائفة واحدة، ومن حزب واحد، ومن طينة فاسدة واحدة. جُلهُم أميون وكذابون ونصابون وشتامون ومختلسون.
 
بالغ في لجوئه الدائم إلى أسلوب المساومات والصفقات لتحقيق أغراضه السلطوية الخاصة، وأغلبها ضار جدا بأمن الشعب العراقي ووحدة أرضه وأبنائه، وعلى حساب استقلاله وسيادته الوطنية.
 
أسبغ رعايته الكاملة على أصحاب الشهادات المزورة، وهم بالآلآف، ورفض استرجاع الأموال المختلسة التي حصلوا عليها بتلك الشهادات؟
 
تستر على المختلسين حتى بعد أن أدانهم القضاء، وقام بتهريبهم إلى خارج العراق، إذا كانوا من حزب.
 
جعل العراق حديقة خلفية لإيران تتصرف بها كما تشاء، فتنهب، وتشتري وتبيع، وتنشيء الميليشيات، وتسلح العصابات، وتفتعل الحرائق، وتفجر المراقد الشيعية والسنية معا، وهو أعلم العالمين بذلك قبل سواه، وسكت.
 
وصف خصومه بأنصار يزيد وأنصاره بأنصار الحسين واستخدم في تدميرهم جميع الأساليب الحلال والحرام. مارست عصاباته شتى أنواع الانتهاكات الفظيعة على الهوية في سجونه ومعتقلاته.
 
ألم يحكم القضاء على سياسيين عديدين من خصومه، بتهم الإرهاب أو الاختلاس، ثم أسقطها نفس القضاء بعد حين، بأوامر الرئيس أو أحد سماسرته المعتمدين.
 
غض النظر عن تهريب السلاح والمسلحين من إيران إلى سوريا، وأرسل الميليشيات الطائفية الحاقدة إلى سوريا لحماية عرش حليفه وحليف ولي نعمته الإيراني، الأمر الذي أطال أمد الحرب وزاد من تعقيدها.
 
لم تتوقف حملات الاعتقال المتكررة في بغداد ومدن المحافظات الأخرى، شيعية وسنية، والتي تنتهي دائما باختطاف مواطنين تظهر جثثهم في مكبات النفايات أو على أحد الأرصفة.
 
والقائمة تطول، والمخفي أعظم.
 
فهل يعارضني أحد حين أدعي بأن العراق كله كان، وما زال، عبّارة أنجبت عبّارة الموصل، وستنجب لكم في كل شهر قادم عبّارة أخرى، في نهر آخر، أو مدينة عراقية أخرى، في الجنوب، أو الوسط، أو الشمال؟
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد