غزة… حيث يأتي الميلاد بلا زينة ويولد الدفء من الركام
يأتي الميلاد كل عام محملاً بوعد قديم… ضوء صغير في آخر النفق، جرس خفيف يرن في ذاكرة العالم، وشخصية حمراء تضحك لأنها تعرف تمام المعرفة بأن الفرح حق طبيعي. في غزة، يصل الميلاد متأخراً دائماً، أو يصل خائفاً، أو قد لا يصل أبداً… في تلك البقعة الصغيرة من الأرض لا تعلق الزينة على الشرفات، لأن الشرفات سقطت. والزينة احترقت، ولكن هل سيصل بابا نويل إلى غزة؟ هل يعرف الطريق إلى الخيام؟ هل يحمل تصريحاً إنسانياً؟ هل يسمح له أن يوزّع الفرح، أم يستجوب بتهمة التعاطف مع الأطفال النائمين في الخيام العائمة بالمياه؟
في الخيام، لا ينتظر الأطفال الهدايا. ينتظرون الصباح بلا قصف، والليل بلا رعب، والخبز بلا حسابات. ينتظرون ليلة دافئة… ينتظرون فرشاً لا تغرقها المياه.
بابا نويل، لو جاء، سيخلع قبعته عند أول طفل. لن يضحك… سيكتشف أن الضحك هناك يحتاج شجاعة إضافية. في غزة، الميلاد ليس حدثاً موسمياً. هو امتحان أخلاقي للعالم. حين تولد فكرة الفرح في مكان محاصر، تصبح سؤالاً سياسياً وإنسانياً في آن واحد. هل يسمح للفرح أن يمر؟ هنا حتى الابتسامة تحتاج إذن عبور.
قد يموت بابا نويل في الطريق بصاروخ وقد يعتقل، لأن التعاطف مع الأطفال صار فعلاً مريباً. وقد يصل، يجلس دقيقة واحدة، ثم يختفي، تاركاً خلفه أثراً صغيراً. الاحتمالات كلها مفتوحة، لأن الواقع نفسه مفتوح على كل أشكال القسوة.
في الخيام، تروى حكايات الميلاد بصيغة جديدة. لا مغارة دافئة، ولا نجمة ترشد القادمين. هناك سماء مثقوبة، وخيمة تحاول أن تكون بيتاً، الطفل لا يسأل عن بابا نويل. يسأل عن الغد.
العالم يحتفل. يلتقط الصور. يكتب التهاني. يزيّن الواجهات. وغزة تراقب من بعيد.
لو وصل بابا نويل، سيجد أن الأطفال لا يطلبون ألعاباً. يطلبون أسماءهم كاملة. يطلبون أن ينادى عليهم كأطفال، لا كأرقام. يطلبون دفاتر جديدة، لأن الدفاتر القديمة احترقت. يطلبون قصة قبل النوم، لأن النوم نفسه صار معركة. يطلبون أن يعيشوا يوماً واحداً من دون خوف.
الميلاد في غزة لحظة إنسانية عارية من الزينة. هو سؤال عن العدالة، عن الرحمة.
قد لا يصل بابا نويل. قد يتأخر عاماً آخر. وقد يصل متخفياً، من دون زيّ، من دون كيس، من دون كاميرات. قد يصل في شكل طبيب، أو معلّم، أو صحافي يرفض أن يغض النظر. قد يصل في شكل رسالة، أو لعبة خشبية صنعت من بقايا بيت، أو موقد صغير يشعل دفئاً بلا دخان. في غزة، الأسماء أقل أهمية من الأفعال.
لا نعرف إن كان بابا نويل سيصل. نعرف شيئاً واحداً… الميلاد، رغم كل شيء، يأتي. يأتي كفكرة لا تعتقل. كضوء لا يقصف. يأتي لأن غزة، رغم كل ما فرض عليها، ما زالت قادرة على أن تنتظر، وأن تحلم، وأن تقول للعالم إنها هنا، وما زالت تستحق الفرح.
وهذا، وحده، كافٍ ليربك كل الخرائط.
حين يخترع الجوع ناره
لم يكن باسم الحاج يبحث عن اختراع، ولا عن بطولة، ولا عن لقطة تلفزيونية عابرة. كان يبحث عن نار لا تخونه حين يبرد المساء… في غزة، حيث الأشياء لا تأتي كما ينبغي، وحيث الحاجات تربك المنطق، يولد الاختراع من رحم الضرورة، لا من رفاهية المختبرات.
في ورشته الصغيرة جلس باسم محاطاً بقطع حديد متعبة. حديد أُخذ من بيوت لم تعد بيوتاً، من نوافذ فقدت زجاجها، من أسرّة لم يعد أصحابها ينامون عليها. كل قطعة تحمل قصة، وكل لحام يربط جداراً كان يوماً يحمي طفلاً من البرد.
النار تشتعل في قلب الموقد الذي صنعه، نار نظيفة على غير عادة الحروب. لا دخان يملأ الصدر، ولا رائحة خانقة تعيد للأجساد خوفها القديم. موقد يعمل بزيت القلي.
باسم لا يتكلم كثيراً. عيناه تقومان بما يكفي. في نظرته شيء من التعب الطويل، وشيء من الإصرار الذي لا يحتاج شرحاً. يرتدي رباطاً حول عنقه، كأن جسده نفسه يعرف أن الحرب لا تمرّ دون أن تترك توقيعها. ومع ذلك، حين يمسك الفرشاة ويدهن الحديد بلونه الأخير، يبدو كمن ينهي طقساً مقدّساً. الطلاء ليس ترفاً، هو إعلان اكتمال. هذا الموقد صار جاهزاً ليذهب إلى بيت آخر، إلى مطبخ آخر، إلى يد أم تنتظر.
الفكرة ليست جديدة في العالم، لكنها هنا جديدة لأن الحاجة أعادت تعريفها. باسم يقول: الفكرة موجودة، لكننا طورناها حسب احتياجاتنا. في هذه الجملة تختصر غزة علاقتها بالعالم. لا تنكر ما أُنجز، ولا تدعي السبق، لكنها تعيد صياغة كل شيء بما يناسب جراحها.
في الخارج، منازل مقصوفة، وأسلاك تتدلّى.. باسم يخرج ليجمع الحديد بنفسه. لا يستطيع شراء الجديد، الحياة المادية غالية، والموارد شحيحة. كل ما يصنع هنا يولد من المستحيل. ومع ذلك، يقف الموقد على أرجله الأربع بثبات. من المفترض أن يصل إلى كل بيت، يقول باسم، وكأنه يعرف أن ما هو “مفترض” في غزة غالباً لا يحدث، لكنه يصرّ على الحلم بصيغة الجمع.
الموقد لا يصدر دخاناً ولا روائح. اقتصادي جداً.
في كل لحظة إشعال، هناك مقاومة صامتة… هذا الموقد ليس جهازاً معدنياً فقط. هو بيان صغير ضد العجز. ضد انتظار المساعدات. ضد فكرة أن الضحية لا تملك سوى البكاء. في غزة، البكاء موجود، لكنه لا يعطّل اليد عن العمل. حين ننظر إلى موقد باسم، لا نرى مجرد حل لأزمة الطهي. نرى فلسفة كاملة عن البقاء. عن تحويل الفائض إلى طاقة، والخراب إلى أداة، والحصار إلى سبب إضافي للتفكير.
*كاتبة لبنانيّة
394 مليون دينار فائض الميزان التجاري للمملكة مع أميركا
جنوب كاليفورنيا تستعد لعاصفة غير مسبوقة يوم الميلاد
سرقة أكثر من 2 مليار دولار من العملات المشفرة خلال العام
مع الملك في رحاب الأعياد المسيحية المجيدة
صفاء جلال تتحدث عن جوانب في حياتها
تسريب صور الفنانة رهام يسبب ازمة عائلية
الأردن يتسلم جثمان المواطن عبدالمطلب القيسي
وفاة الفنان والمخرج الفلسطيني محمد بكري
معتصم نهار يوجه رسالة شكر لمتابعيه
القضاء على داعش .. مسؤولية جماعية
جماهير الأرجنتين تنحني للنشامى بعد نهائي كأس العرب
الطب الشرعي يكشف سبب وفاة شاب مفقود في الكرك
يوتيوب يعود للعمل بعد تعطله لآلاف المستخدمين
اعلان مقابلات صادر عن وزارة التنمية الاجتماعية - أسماء
حوارية في اليرموك بعنوان المدارس اللسانية المعاصرة
اعلان توظيف صادر عن صندوق المعونة الوطنية .. تفاصيل
استيطان جديد في الضفة الغربية يفاقم الصراع
انطلاق فعاليات أولمبياد اللغة الإنجليزية العالمي للجامعات 2025
تحذير .. أدوية يُمنع تناولها مع هذه الفواكه
ماسكات طبيعية لبشرة أكثر إشراقا
