الجامعات الأردنية: توسع سرطاني أم تخبط وعشوائية؟؟؟

mainThumb

11-07-2009 12:00 AM

الدكتور عادل سالم موسى معايعه

في البداية أُحب ان أُشير إلى قصة واقعية عُرضت قبل سنوات على شاشة التلفزيون، ومفادها ان أسرة مكونة من إحدى عشر فرداً تقطعت بهم السبل بعد وفاة الأم فمنهم من تشرد في الشوارع، ومنهم من تعلم فنون النصب والاحتيال، ومنهم من امتهن السرقة، ومنهم من دخل السجن ومنهم من تعاطى المخدرات والحشيش.
والغريب في الأمر ان الوالد المفجوع والموجوع قام بإلقاء?اللائمة?بالكامل على?كاهل الأبناء وحملهم مسؤولية الحال التي وصلوا إليها، وكأنه لا ذنب له، وكأنهم ليسوا أبناءه وكان الطبيعة هي المسؤولية عن تربية هؤلاء الأبناء. والغريب بالأمر ان المذيع تفاعل بشكل واضح مع الوالد وتأثر بشكل كبير وطالب الأبناء بالرجوع إلى جادة الصواب، وكان الوالد عندما أنجبهم بهذا العدد وفي ظل هذا الفقر كان على صواب.
ما دفعني لهذه المقدمة هو ما أفصح عنه رئيس وزراء أسبق في الكلمة التي افتتح بها أعمال (الخلوة) قبل أكثر من سنه والمخصصة لتطوير التعليم العالي خلال السنوات الخمسة القادمة، إلى ما اسماه بالتوسع السرطاني لعدد الجامعات في الأردن الذي بلغ عددها نحو خمسة وعشرين جامعة، والسرطان كما هو معروف مرض منتشر في جميع أنحاء العالم، والمعروف عن هذا المرض صعوبة علاجه، والسبب في حدوث هذا المرض عند الأطباء غير معروف، ولكنهم يحيلون سبب المرض إلى بعض المواد الكيميائية وبعض الإشعاعات الخطيرة والوراثية، وخلاصة الكلام في هذا الباب عند الأطباء هو أن السرطان سببه الحقيقي غير معروف وعلاجه الحقيقي لا يزال مجهولا.
ويحق لنا كأردنيين نحب هذا البلد ونموت من اجل ترابه ونفدي قيادته الهاشمية بالنفس والنفيس ان نتساءل: من المسؤول عن هذا التوسع السرطاني في عدد الجامعات؟؟ هل هي الجامعات نفسها؟ هل هي الحكومة ممثلة بوزارة التعليم العالي؟ من يمنح التراخيص لهذه الجامعات؟ من يعطي شهادات الاعتماد العام والخاص؟ من المسؤول عن التدهور في البرامج والتخصصات الجامعية المقدمة؟ من المسؤول عن تزايد عدد الطلبة الملتحقين في البرامج الجامعية العليا؟ من يخطط للتعليم العالي والجامعات في الأردن؟ من يحدد عدد المقبولين؟ من يحدد نوعية البرامج المطروحة في الجامعات؟ من المسؤول عن التكرار غير المبرر للتخصصات؟ من المسؤول عن السعي الهائل غير المبرر على التعليم على حساب التعليم التطبيقي والمهني مما يشكل عبئاً على الجامعات الرسمية على وجه التحديد؟ من المسؤول عن ضعف البحث العلمي في الجامعات الأردنية؟ من يقبل الطلبة؟ من يشرع قوانين التعليم العالي؟ من يسمح بزيادة المقبولين في الجامعات؟ هل هو المجتمع أم الحكومة؟ من يقرر أسس تعيين أعضاء هيئة التدريس في الجامعات؟ لماذا لا يقوم كل صاحب مسؤولية بواجباته؟ ان الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها يظهر بجلاء المسؤول الحقيقي عن هذا السرطان.
ان مبادئ المحاسبة والشفافية والمساءلة والنزاهة في دول العالم المتحضر تتطلب من المسؤول الذي يقترف الأخطاء والتي يترتب عليها خسارة في النفوس والأخلاق والسمعة والمال، ان يعترف بمسؤوليته، ثم يعتذر أمام الشعب، ويستقيل أو يقال أو يتنحى عن منصبه، ويقدم نفسه للقضاء أو يُقدم للقضاء.
ويقول رئيس الوزراء (أصبح واقع التعليم واضحاً للجميع ولا يحتاج إلى مزيد من التشخيص، وهو بحاجة إلى دفعة إلى الأمام ووقفة مراجعة وإجراء عمليات جراحية في بعض محاوره) وأننا كأردنيين نتساءل: هل كانت مشكلات التعليم العالي قبل هذا اليوم غير واضحة للجميع؟ أم هل ننتظر دائما جلالة الملك حتى يؤشر على الأخطاء؟ ومن هذا المنطلق فأنه يحق لنا كأردنيين لنا حقوق وعلينا واجبات ان نشارك في إصلاح مسيرة التعليم العالي ونقدم بعض المقترحات ومنها:
1. إلغاء وزارة التعليم العالي والى الأبد، واستبدالها بمجلس من المتخصصين والغيورين على التعليم العالي ومن المبدعين بمجال التخطيط والتمويل والبحث العلمي وبإشراف مباشر من جلالة الملك.
2. عدم التمييز بين الجامعات الأردنية الحكومية والخاصة، فكلها مؤسسات وطنية ينبغي ان يكون هدفها الأول والأخير خدمة المجتمع والتعليم والبحث العلمي.
3. عدم إغلاق باب القبول الجامعي أمام الأردنيين مهما كان المعدل في الثانوية العامة، مع وضع معايير لذلك، ومنها فتح عشرات التخصصات الجديدة المهنية والتطبيقية، والاستفادة من تجارب اليابان وبريطانيا في موضوع جامعات الصناعة، فلماذا لا تمنح الجامعات الأردنية درجة البكالوريوس في الحدادة والنجارة والسباكة والخياطة وتصنيع الأجهزة الكهربائية والسيارات والحواسيب والتصوير وتصنيع الحلويات والفندقة والصناعات اليدوية وصناعة العدسات والنظارات وأعمال الطباعة وغيرها العشرات من التخصصات المهنية التي يحتاجها المجتمع، ولكن بتسميات جديدة يقبل بها المجتمع، وتصبح مع الزمن أكثر مقبولية من بقية التخصصات التي تشبع السوق منها. بحيث نخصص لها (140) ساعة معتمدة يكون الثلث منها مواد نظرية تخصصية وثقافية، والثلثين مواد عملية وتطبيقية في مشاغل الجامعة ومختبراتها والمصانع والورش والمؤسسات الإنتاجية والخدمية في المجتمع. وهنا نكون قد حققنا عدة أهداف في آن واحد، الأول أننا لا نمنع الشباب الأردنيين من الدراسة الجامعية وتبقى أموال الأردن في الداخل، والهدف الثاني هو ان الطالب يتخرج من الجامعة وبين يديه شهادة جامعية يعتز بها ومهنة يفخر بها. وكذلك يتم تزويد السوق بخبرات وكفاءات بشرية وعلمية مدربة ومتخصصة.
4. هناك تكرار ملحوظ للبرامج الدراسية التي تقدم على مستوى البكالوريوس، فمثلاً تدرس اللغة العربية في أكثر من 15 جامعة واللغة الإنجليزية في أكثر من 13 جامعة والحقوق في (12) جامعة والمحاسبة في 13 جامعة والاقتصاد في (9) جامعات والأمثلة كثيرة، وهذا الخلل معروف منذ زمن ويعلم عنه جميع المسؤولين، فلذلك لا بد من تجميد القبول الجامعي في العشرات من التخصصات المشبعة والراكدة وحصرها في بعض الجامعات وبالتناوب ومنها: المحاسبة والشريعة والحقوق واللغة العربية وإدارة الأعمال والصحافة والأعلام وعلم الاجتماع والطب البيطري والصيدلة، والاقتصاد والعلوم المصرفية والعلوم السياسية، والهندسة بكافة فروعها والتغذية والإنتاج النباتي والتسويق وغيرها من التخصصات، والتي وللأسف معلن عتها في إحصائيات ديوان الخدمة المدنية بأنها من التخصصات المشبعة والراكدة. وتشير إحصائيات ديوان الخدمة المدنية ان عدد المتقدمين لديوان الخدمة المدنية عام 2006 حوالي (150550) منهم (50193 ) من خريجي كليات مجتمع.
5. تطوير عملية انتقاء واستقطاب وتوظيف أعضاء هيئة التدريس والابتعاد عن المزاجية والعشوائية والمحسوبية، والتخلص من عقدة (بان يكون عضو هيئة التدريس من خريجي جامعات أجنبية مرموقة) لان في ذلك تعارض مع ابسط القواعد الديمقراطية، فغالبية الدارسين في الجامعات الأجنبية (المرموقة؟؟؟) هم من الأغنياء الذين تمكنوا من الدراسة في هذه الجامعات بسبب غناهم المادي وليس تفوقهم العلمي، أو من المبعوثين من الجامعات الأردنية ومعظمهم بالواسطة والمحسوبية، والأقلية القليلة منهم استطاعوا الدراسة عن جدارة واستحقاق. والتجارب العملية تثبت بان البرامج التي تقدمها الجامعات العربية والأردنية منها أقوى وأكثر جدية؟ فكيف يتم تعيين عضو هيئة تدريس(تخصص أساليب تدريس مثلاً) من خريجي جامعة استرالية أو بريطانية في جامعة أردنية علماً بأنه لم يدرس أي مادة في ذلك التخصص في تلك الجامعة، مع العلم بأنه يمكن ان يدرس أكثر من عشر مواد في الجامعات الأردنية بالإضافة إلى الأطروحة، ومن هنا من المسؤول عن صناعة هذه العقدة؟
6. هناك تقصير من قبل أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الأردنية الرسمية والذين يقدر عددهم بحوالي (5) آلاف في القيام بالبحوث العلمية التطبيقية التي تخدم المجتمع، واقتصار هذه البحوث لأغراض الترقية العلمية والتي ليس لها أية قيمة أو فائدة. لذلك لا بد من ربط الترقيات والتثبيت في الجامعات بما تقدمه تلك البحوث من خدمة للمجتمع، كل في مجاله العلمي.
7. تعاني الجامعات الأردنية الرسمية من أزمة مالية لا سيما أن جميعها تعتمد على المعونات الحكومية، لذلك تخوض صراعا دائما لزيادة موازنتها أو التخلص من العجز المالي عن طريق زيادة الأقساط أو فتح برامج تدريس ربحية كالبرنامج الموازي والبرنامج المسائي، ويبلغ العجز في موازنات الجامعات الرسمية (120) مليون دينار أردني، والبديل ان تعتمد الجامعات على نفسها وتتحول إلى جامعات إنتاجية وصناعية بدلاً من ان تكون عبئاً ثقيلا?Z على المجتمع.
8. أن تتبنى الجامعات الأردنية أسلوب الجامعة المنتجة كأسلوب مهم في توفير موارد مالية إضافية، وذلك من خلال إعادة هندسة نظام الإنفاق والتمويل للتحويل إلى ثقافة عصر الشراكة، وإعطاء الجامعة مرونة أكثر للتصرف بالموارد التي تحققها، وتعزيز التفاعل بين الجامعة والمجتمع من خلال الدورات التدريبية والأنشطة الإنتاجية الثقافية والعلمية والاجتماعية، والاستفادة من التجارب السابقة للدول المتقدمة في موضوع الشراكة والجامعة المنتجة مثل الولايات المتحدة وكندا واليابان وبريطانيا واستراليا.
9. أن تقوم الجامعات الأردنية بوضع خطة للتعاون الدائم بين القطاع الخاص والجامعات في مجال البحوث التطبيقية ومساهمة القطاع الخاص في تمويل البحث العلمي.
10. إعادة النظر في تشكيل مجالس عمادات ومعاهد ومراكز البحوث العلمية في الجامعات بحيث تضم في عضويتها ممثلين عن القطاعات الإنتاجية واللجان الاستشارية على مستوى الجامعات والعمل أيضا على إنشاء لجان مشتركة بين القطاعين العام والخاص.
11. إنشاء بنك خاص لتمويل نشاطات البحث العلمي وتطبيقاته التقنية، والتنسيق بين الجامعات والمكاتب الاستشارية الخاصة لتنفيذ دراسات واستشارات علمية مشتركة، وضرورة دعم الميزانيات المخصصة للبحوث العلمية واعتبار الاستثمار فيها من أولويات الاستثمار القومي، وإلزام الوزارات والمؤسسات الحكومية بالاستعانة بالجامعات الأردنية كبيوت خبرة ومراكز استشارية، وإنشاء هيئة لتسويق الاختراعات والابتكارات تابعة للجامعات.
12. لما للمعلوماتية من دور في تطوير العمل الجامعي، على الجامعات الأردنية تطوير مؤسسات البحث العلمي ومراكز البحث والتطوير وقواعد البيانات لديها بالربط الفعال بنظام المعلومات الوطني والإقليمي والعالمي.
13. الاهتمام والتأكيد على تصميم وصياغة البرامج التعليمية والتدريبية في الجامعات الأردنية بما ينسجم ويلبي الاحتياجات الفعلية المتجددة للأفراد والمؤسسات والمجتمع، بما يسهم في رفع كفاءة أدائها وتحقيق أهدافها، وإشراك قطاعات الإنتاج في تصميم البرامج ذات الأهمية الاستراتيجية في التنمية والتقدم.
وأخيرا وليس أخراً نتمنى ان يكون التوسع السرطاني الذي تحدث عنه الرئيس في عدد الجامعات (من النوع الحميد) الذي لا يضر، كما أظن أننا بحاجة إلى المكاشفة والصراحة والوضوح وإشراك المستفيدين من التعليم العالي لمناقشة المشكلات ووضع الحلول أكثر من سياسة (الخلوة)، وأنني من المؤيدين لزيادة الجامعات الأردنية وحتى لو وصلت العدد إلى (100) جامعة فالخلل ليس بالعدد أو بالجامعات، ولكن بغياب التخطيط السليم وعدم طرح البرامج الحقيقية التي تخدم الأردن وشعب الأردن، وعدم وضع سياسة وطنية حقيقة تلبي طموح الأردنيين في المدن والقرى والبوادي والمخيمات، بل التركيز على جباية الأموال، على حساب النوعية والجودة، وتهميش النخب القيادية التربوية الحقيقية وعدم الاعتراف بدورها. أنني أتمنى إنصاف الجامعات الأردنية حكومية وأهلية وإعطائها حقها من المديح، وان لا نكرر القصة الواردة في بداية المقال، بل نبحث عن السبب الحقيقي. حمى الله الأردن وشعبه ومنجزاته وقيادته الحكيمة، وبعون الله يبقى الأردن أولاً.

Adelmaayah2006@yahoo.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد