معلمون على الرصيف

mainThumb

13-03-2010 12:00 AM

موسى إبراهيم أبو رياش

نجح المعلمون للمرة الثانية في إحراج وزارة التربية، وحشرها في الزاوية الضيقة، فقد تذرعت السبت الماضي 6/3/2010 بأن نادي المعلمين محجوز لأنشطة معدة مسبقاً، فأغلقت النادي في وجه منتسبيه، وهو النادي الذي يفتح لمن هبّ?Z ودبّ، ونقلت بعض المواقع أنه تم استدعاء طلبة الكشافة وبعض المعلمين والمعلمات لتبرير أمر الإغلاق. وفي هذا السبت 13/3/2010 تكرر أمر الإغلاق، مما اضطر المعلمين بناة المستقبل ومربي الأجيال وصناع التاريخ أن يقتعدوا أرصفة الشارع، وناديهم العتيد يسد أبوابه في وجوههم، وهو النادي الكبير الفسيح الذي يتضمن أربع قاعات اجتماعات، وساحات داخلية واسعة تكفي لإقامة ستة أنشطة متزامنة.

ما يحدث معيب، ولا يليق بوزارة مهمتها الأساسية التربية والتعليم، وتربية الطلبة على الأخلاق الفاضلة والسلوك الحسن، فكما أنه حسب التعليمات لا يحق لمدرسة أن تمنع طالباً من دخول مدرسته، فإنه لا يجوز للوزارة أن تمنع معلماً من دخول النادي سواء أكان منتسباً أم لا، فالدخول للجميع، ولكن الانتفاع بالخدمات متفاوت حسب العضوية.

عندما توصد الوزارة الباب أمام المعلمين، فإنها تكشر عن أنيابها وتناصبهم العداء، وتضع نفسها وجهاً لوجه في مواجهتهم، مهمشة لهم، مقللة من شأنهم، وهي بذلك تعطي رسالة واضحة للجميع إعلاماً ومجتمعاً وطلاباً أن المعلمين لا قيمة لهم، ولا يستحقون حتى أن يدخلوا بيتهم، ولا يجوز أن يسمع لهم، أو يتحاور معهم، وكأنهم أعداء أو غزاة جاءوا لنهب نادي المعلمين استعداداً لاحتلال الوزارة والسيطرة عليها.

كان الأولى بمعالي الوزير وهو رجل الفكر الذي كنا نأمل فيه أن يكون معيناً وناصراً للمعلمين، أن يسارع كحسن نية ومن باب (لاقيني ولا تغديني) على الأقل أن يستمع للمعلمين المجتمعين وأن يفتح لهم أبواب النادي وقاعاته، ويحاورهم، ويعد بدراسة مطالبهم مع أصحاب العلاقة والشأن، ولكننا كما يبدو لم نصل إلى هذه الدرجة من تقدير الإنسان الذي قال فيه الملك الباني الحسين بن طلال رحمه الله (الإنسان أغلى ما نملك)، إلا إذا كان المعلم في عرف الوزارة لا يستحق أن يعامل كإنسان، بل هو في مرتبة أدنى وأقل!

تبريرات معالي الوزير عفى عليها الزمن، ولم تعد تحظى بأدنى قسط من الاهتمام والمصداقية، وهي تناقض نفسها بنفسها، فالمعلم حسب الوزير موظف عام لا يجوز أن يكون له نقابة، ولا أدري بم يبرر وجود عشرات الألوف من المهندسين والأطباء والصيادلة والممرضين وغيرهم ممن يعملون في الوزارات ومنها وزارة التربية؟

أما تخوفه من إضراب أو اعتصام وأثره على الطلبة، فهو تخوف في غير محله، خاصة وأن القائمين على نقابة المعلمين أكدوا أن الإضراب أو الاعتصام أثناء الدوام الرسمي غير وارد، وقانون النقابة لا يتعارض ونظام الخدمة المدنية.

ويتخوف معاليه من أن "الطلبة الذين سيكونون ضحية العمل النقابي كون الأيام الدراسية لهم معدودة ومحسوبة بالساعة ويصعب تعويضها ما يسبب خللا في العملية التدريسية" هذا بالطبع إذا حدث إضراب أو اعتصام، وقد أوضحت سابقاً تهافت هذا التخوف، زد عليه أن أيام عشرات الألوف من الطلبة تضيع بسبب الاستعداد للاحتفالات والبطولات الرياضية والمهرجانات والمسابقات ونقص المعلمين ومع ذلك لا يتباكى معالي الوزير على ذلك، ولكنه يشفق على الطلبة من إضراب لن يحدث واعتصام لن يكون!

ويقول معالي الوزير "إن مقارنة نقابة المعلمين بغيرها من النقابات خطأ فادح لأن أطراف التعاقد الثلاثي في العملية التعليمية هم الطلبة والمعلمون والحكومة في حين أن باقي النقابات لا يسري عليها هذا التعاقد لان أطراف العلاقة هم المنتسبون والجسم النقابي"، وهذا خطأ فادح وقع فيه معاليه لتسرعه، فكل النقابات أطرافها ثلاثة أو أكثر، ففي نقابة الأطباء هناك الأطباء والمرضى والحكومة، وكذلك نقابة الممرضين والصيادلة، وفي نقابة المحروقات هناك أصحاب المحطات وكل المواطنين والحكومة أو مصفاة البترول، وهكذا الحال في جميع النقابات دون استثناء، وحدوث أي إضراب –وقد يحدث حسب قانون تلك النقابات- قد يوقع الطرف الأضعف (المواطن) في مشاكل وصعوبات أعقد بكثير مما قد يحدث مع الطلبة بسبب إضراب مزعوم.

ويقول معاليه "إنه لا يوجد أي ميزة أو دور يمكن أن تقوم به النقابة ولا تستطيع تحقيقه الوزارة"، وعجباً كيف يستخف معاليه بكل من يسمعه، وعلى من يسوق مثل هذا الكلام، والوزارة لا تستطيع توفير مكتب محترم للمعلم أو غرفة مناسبة للمعلمين في مدارسهم أو ... مما يستحيل تعداده وحصره.

ويؤكد معاليه قائلاً: "أنشأت الوزارة نوادي للمعلمين في مختلف المناطق كمنابر حرة يستطيع من خلالها المعلمون التعبير عن آرائهم ومقترحاتهم ومطالباتهم تجاه أي قضية أو موضوع يتعلق بحياتهم المهنية والتدريسية"، والرد واضح بإغلاق النادي في وجه المعلمين لأسبوعين متتاليين.

ويسوق معاليه أمثلة يمن بها على المعلمين كأن هذه الوزارة فقط هي التي توفر مثل ذلك، ونسي معاليه أنها أقل ما تقدمه وزارة لموظفيها في أفقر دولة في العالم وأشدها تخلفاً، فيذكر أمثلة على ذلك: صناديق الضمان الاجتماعي (اقتطاع من رواتب المعلمين)، صناديق للإسكان (للراغبين من رواتبهم)، ونظام رتب المعلمين (من باب التحايل والالتفاف على حقوقهم)، ونظام الابتعاث على مستوى البكالوريوس والدبلوم العالي(عادي جداً وحق)، وتصدر مجلة رسالة المعلم التي يستطيع ان يكتب بها المعلمون آراءهم ومقترحاتهم (تصفحوها لتعرفوا)، وتنظم الدورات والورش والمؤتمرات (من ضرورات العمل ومتطلباته).

المعلمون كسبوا الجولة، وكشفوا وجه وزارتهم، وآن لمعالي الوزير أن يتخذ خطوة شجاعة في محاورة المعلمين وسماع مطالبهم، وأن يدعه من أسلوب الكتابة عبر الطرق الرسمية التي لا ترفع ظلماً ولا تعطي حقاً، ولا يضع نفسه طرفاً وخصماً للمعلمين وعدواً أبدياً، فمنصبه لن يدوم، والمعلمون باقون إلى الأبد، والتاريخ لا يرحم.

mosa2x@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد