قراءة لمشروع قانون الضمان الجديد: مكاسب ومزايا جديدة (1 – 4)

mainThumb

26-07-2009 12:00 AM

علي عيسى

أثار مشروع قانون الضمان الاجتماعي الجديد الكثير من الحوار والنقاش بخاصة لدى شريحة تتميز بالثقافة والوعي والموقع الوظيفي الاجتماعي المرتفع – إذا جاز التعبير.

فثمة فئة من هذه الشريحة التقطت الرسالة ووجدت أن من الضروري إقرار هذا المشروع وبأسرع وقت ممكن من أجل ديمومة مؤسسة الضمان الاجتماعي والتي تعنى بحياة ومستقبل القوى العاملة بخاصة والمجتمع بأسره عموماً.

وثمة فئة من الشريحة ذاتها نظرت الى مصلحتها الخاصة ووجدت في بعض التعديلات تقليصاً لبعض مكاسبها بغض النظر عن محدودية هذا التقليص أو الترشيد.

وبحكم تجربتي الطويلة في ميدان العمل والخبرة في قضايا الضمان الاجتماعي، فقد وجدت من المفيد والضروري أن أساهم في هذا الحوار والنقاش حول مشروع القانون الجديد، وآثرت أن يكون إسهامي شاملاً ومفصلاً ولكي يتمكن القارئ من الاطلاع من دون صعوبة فقد جزأت إسهامي حول هذا الموضوع الى أربعة أجزاء سأتناول في الجزء الأول منها مقدمة لازمة كمدخل بالإضافة الى عدد من المزايا والمكاسب التي جاء بها مشروع القانون.

وفي الجزء الثاني ما أسميته بترشيد شروط استحقاق راتب تقاعد الشيخوخة، وفي الجزء الثالث طرحت أمثلة توضح كيفية احتساب راتب تقاعد الشيخوخة وما طرأ من تعديلات تطال فئتين الأولى تمثل (98%) من المشتركين بالضمان والثانية تمثل حوالي (2%) من المشتركين.

وفي الجزء الرابع والأخير تناولت موضوع التقاعد المبكر موضحاً المشكلات والتعديلات الجديدة وأمثلة تبين مدى تأثير هذه التعديلات على المستفيدين من هذا النوع من التقاعد.

إن نظام الضمان الاجتماعي الذي يمول نفسه بنفسه يعتمد معادلة الإيرادات والنفقات المتوسطة والبعيدة المدى وهي معادلة تقوم على دراسات اكتوارية تدخل فيها عشرات العناصر المتفاعلة والتي تتطلب تتبعاً بالدراسة سنة بعد سنة ورصد تفاعلاتها بدقة ومواجهة أي ثغرة أو خلل ومعالجتها قبل تفاقمها.

وفي ضوء التجارب العالمية تجرى هذه الدراسات كل ثلاث سنوات مرة على الأقل، وقد اعتمد قانون الضمان الاجتماعي في نصوصه ضرورة إجراء هذه الدراسات والعناية بنتائجها، وقد أجرت المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي ست دراسات اكتوارية منذ نشأتها منها دراسة أجرتها منظمة العمل الدولية أو بالتعاون معها، وهي المنظمة الدولية التي تضم ممثلين لأطراف الإنتاج الثلاثة العمال وأصحاب العمل والحكومات في جميع دول العالم، وجاءت الدراسة الأخيرة لتدق ناقوس الخطر، فإيرادات مؤسسة الضمان الاجتماعي من الاشتراكات الشهرية التي يدفعها العمال وأصحاب العمل وهي حالياً بنسبة (16.5%) من الأجور ستكفي لتغطية نفقات الضمان حتى نهاية العام 2017.

فإذا أدخلنا عوائد استثمار احتياطيات أموال الضمان في الإنفاق فسوف تأكل النفقات جميع الاشتراكات وعوائد الاستثمار حتى العام 2027، لتبدأ النفقات بعد ذلك في التهام رأس المال أي جميع الاشتراكات وعوائد الاستثمار وأصل رأس المال أو الموجودات لتغلق مؤسسة الضمان أبوابها ويسقط هذا المشروع الوطني الاقتصادي والاجتماعي الذي تعوّل عليه الأجيال العام (2037).

والسؤال هنا؛ هل يقبل أحد من المليون مشترك أردني الذين هم على رأس عملهم اليوم والذين يعيلون ما يقرب من خمسة ملايين مواطن أن تغلق مؤسسة الضمان أبوابها في وجوههم لأنها تقاعست عن معالجة خطر داهم دق لها ناقوس الخطر قبل ثلاثة عقود فلم تستمع له؟ بل هل تقبل الأجيال القادمة؟، هل يقبل أبناؤنا وأحفادنا أن نسد باب الأمان والطمأنينة والاستقرار أمامهم ونتركهم بلا مشروع لحماية مستقبلهم؟!

لا أعتقد أن أحداً يقبل لنفسة أو لولده أو حفيده أو لوطنه أن يواجه مثل هذا المصير!

لقد قدّمت مؤسسة الضمان الاجتماعي مشروع قانون جديد للضمان الاجتماعي مطروحا حالياً أمام الدورة الاستثنائية لمجلس الأمة، وهو مشروع متكامل يتضمن مزايا ومكاسب جديدة وكثيرة ومعالجات وترشيدات تسد العديد من الثغرات والمشكلات.

فعلى صعيد المزايا الجديدة للمشتركين فيرالضمان يمكن أن نلحظ ما يأتي:

أولا؛ توسيع قاعدة المستفيدين من نظام الضمان الاجتماعي، فبعد أن كان النظام يشمل جميع العاملين بأجر في القطاع العام والعاملين في شركات القطاع الخاص التي تشغّل خمسة عمال فأكثر يسمح مشروع القانون الجديد بشمول جميع العاملين في المنشآت عاملاً فأكثر، وكذلك جميع العاملين لحسابهم الخاص بل وجميع الراغبين من أصحاب العمل وبخاصة أصحاب العمل الصغار والشركاء، بل ويسمح المشروع لربات البيوت والمغتربين الأردنيين أينما كانوا، ما يعني أن شبكة الأمان الاجتماعي ستمتد لتصل إلى كل مواطن.

ثانيا؛ زيادة المنافع للمشتركين بالضمان حالياً وفي المستقبل بتطبيق نوعين من التأمينات الاجتماعية هما؛ التأمين ضد التعطل وتأمين الأمومة، صحيح أن التأمين ضد التعطل لا يوازي أو يساوي تأمين البطالة ولكنه خطوة مهمة على هذا الطريق وهو صندوق ادخاري لجميع المشتركين في الضمان يعالج التعطل أثناء العمل الى جانب الضمانات التي يوفرها قانون العمل وليس بديلاً عنها، كما يوفر مبالغ لا بأس بها تدفع للعامل عند تقاعده بالإضافة لاستحقاقه راتب تقاعد.

أما تأمين الأمومة فالغاية منه حسب مشروع القانون تشجيع أصحاب العمل على تشغيل المرأة والمتزوجة بشكل خاص، لأن تبعات الحمل والأمومة حسب التشريعات القائمة لا تشكل حافزاً لأصحاب العمل لتشغيل النساء، كما أن فترة إجازة الأمومة قبل تطبيق هذا التأمين كانت غير مغطاه بالاشتراك في الضمان، وهي الآن مغطاه حسب المشروع ما يوفر استمرار حماية الضمان أثناء إجازة الولادة وهي فترة تحتمل مخاطر عديدة.

ثالثا؛ ربط رواتب التقاعد بالتضخم، فقد عالج مشروع القانون الجديد مشكلة كبرى يعاني منها المتقاعدون وهي مشكلة انخفاض القيمة الحقيقية لرواتبهم التقاعدية بفعل التضخم فمنح المشروع الحق بزيادة رواتب التقاعد حسب أرقام التضخم، صحيح أنه وضع حداً أعلى لهذه الزيادة بمبلغ عشرين ديناراً إلا أن هذا السقف يفيد الغالبية العظمى من المتقاعدين ويُغطي بالزيادة نسبة التضخم فلا تتآكل رواتبهم.

رابعا؛ رفع نسبة رواتب تقاعد الوفاة الإصابية، فقد رفع مشروع القانون راتب تقاعد الوفاة الإصابية من (60%) من الأجر الى (75%) وهي نسبة جيدة.

ومن المعلوم أن هذا الراتب يخصص لأسرة أي عامل تؤدي إصابته الى الوفاة مهما كانت مدة اشتراكه بالضمان ولو وقعت الإصابة في اليوم الأول لالتحاقه بالعمل.

خامسا؛ رفع سقف راتب التقاعد، فقد رفع مشروع القانون الجديد سقف راتب التقاعد من (75%) من متوسط الأجر الى (100%)، فالقانون الحالي ينص على احتساب راتب تقاعد الشيخوخة بنسبة (2.5%) من متوسط الأجر عن كل سنة من سنوات الاشتراك بحد أقصى (75%) من ذلك المتوسط.

سادسا؛ تخفيض كلفة شراء سنوات الخدمة، يشتمل مشروع القانون الجديد على جدول يسمح بشراء سنوات الخدمة السابقة لغايات استكمال شروط استحقاق راتب التقاعد، وبالمقارنة مع الجدول الذي يحسب على أساسه شراء الخدمة السابقة حسب القانون الحالي يتضح أن الكلفة أصبحت أقل وبنسبة معقولة.

سابعا؛ التخفيف من شروط استحاق راتب تقاعد الوفاة الطبيعية، بحيث تصبح (6) اشتراكات بدلاً من (12) اشتراكاً متصلاً من أصل (24) اشتراكاً لتحقيق الحماية لآلاف العمال الذين لا تتيح ظروف عملهم الاستمرار في الاشتراك لمدد متصلة تصل الى (12) شهراً فأكثر.

ثامنا؛ معالجة مشكلات أصحاب العجز الطبيعي، الذين تنهي الشركات أعمالهم لأسباب صحية من دون أن يثبت العجز الدائم لديهم فيفقدون العمل والحق في راتب الاعتلال. فقد جاء مشروع القانون ليسمح في مثل هذه الحالات بفحص العامل لدى اللجنة الطبية في مؤسسة الضمان قبل إنهاء خدمته، فإذا ثبت عجزه واستحق راتب الاعتلال تنهى خدمته.

تاسعا؛ الجمع بين رواتب التقاعد، فقد سمح مشروع القانون الجديد بالجمع بين رواتب التقاعد المستحقة للورثة الأبناء والبنات من الوالدين والأرملة، بل ورفع سن الاستفادة من راتب التقاعد أو الاعتلال للورثة الأبناء والإخوة الذكور من (18) سنة الى (23) سنة أي سمح بخمس سنوات زيادة عما هو قائم في القانون الحالي.

عاشرا؛ حماية الحقوق المكتسبة، حصّن مشروع القانون الجديد حقوق الذين استكملوا شروط استحقاق راتب تقاعد الشيخوخة وراتب التقاعد المبكر، فهناك عشرات الآلاف من المشتركين بالضمان، ممن استكملوا شروط استحقاق رواتب تقاعد الشيخوخة أو التقاعد المبكر وما يزالون على رأس عملهم سمح لهم المشروع الجديد بالاستمرار في عملهم وطلب تخصيص راتب التقاعد المستحق لهم في أي وقت وحسب القانون الحالي من دون أن يتأثروا بالترشيد الذي جاء به مشروع القانون الجديد من حيث تعديل شروط الاستحقاق أو معامل احتساب الراتب أو سقوف زيادة المعالين.

* خبير تأمينات اجتماعية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد