ثورة الأفواه

mainThumb

07-08-2009 12:00 AM

د.محمد فلاح القضاة

 

بعيدا عن إحصائيات الفقر والغنى، وبعيدا عن إحصائيات ارتفاع الأسعار والغلاء الفاحش، بعيدا عن عدد المصابين بالتخمة و بنقص الوزن ، بعيدا عن أصحاب الملايين والشحاذين في هذا الكوكب الصغير ، بعيدا عن المزاد على كلية إنسان ببضع ألاف من الدولارات، ومزادات علنية على لوحات فنية بمئات الملايين من الدولارات ،بعيدا عن سعر برميل النفط، و فقدان القمح و البطاطا . ما الذي يحدث لو أن الأفواه بدأت بالثورات ؟ما الذي يحدث لتلك البطون الفارغة إلا من بضع كسيرات من الخبز إن وجدت؟ ما الذي يحدث لتلك البطون التي جففها العطش ،حتى التصقت أحشائها ؟ما الذي يحدث لتلك الأرجل التي أدماها الشوك من الركض خلف رغيف الخبز؟ما الذي يحدث لتلك الجباه التي لفحتها أشعة الشمس الحارقة منتظرة الدور للحصول على كيلو من الدقيق أو الرز أو أي شيء يسد رمق الحياة؟أتسال ما الذي يحدث إذا بكى ملايين الأطفال أمام ذويهم ،لا للحصول على "باربي" أو "فله" أو كرة أو كتلة من القماش الملفوف على يد أم ،وإنما للحصول على زجاجة حليب أو كاس ماء نظيف وليس بشرط مياه صحية ،أو قطعة من خبز ليس بالضرورة أن يكون فرنسيا أو ايطاليا، وإنما خبز مجبول بماء الأنهار السابح بها مخلوقات ومخلوقات ؟

أسال أيها الناس ما الذي سيحصل؟ انتم أتعرفون الجواب! أنتم يا من أصيب بتخمة ما لذ وطاب من الطعام؟ انتم يا من تقودون السيارات الفارهة وتنامون على الحرير الناعم. أتعرفون يا من ترتدون أجمل الثياب واثمنها، وغيركم يجعل السماء غطاءً والأرض فراشاً وبضع جذور غذاءً.

أسال أيها الجالسون على كراسي مريحة، يخدمكم الآلاف من الخدم، وغيركم لا يجد ما يجلس عليه، ولا من يقوم على إعطائه حبة دواء أو جرعة ماء.

أسال أيها الناس، ما الذي سيحدث ؟ربما ليس بالقريب، ولكن ليس ببعيد، حين تضعف الأجسام وتحفى الأرجل، وتلتصق الأمعاء بعضها ببعض من قلة ما يدخل اليها من طعام،لا بطراً ولا رجيماً ولا حتى مرضاً. ما الذي سيحدث أن علت أصوات الأطفال بكاء أمام ذويهم لا للعبة أو سيارة أو جهاز موبايل وإنما للقمة تسد شدّة الجوع .

أسال: هل تعتقدون أن ذويهم سينتحرون ؟أقول لكم هذا وارد، وأقول لكم حينها لن تجدوا من يخدمكم ومن يعمل على مسح نعالكم، وانتم لم تتعودوا على تنظيف بساطيركم.

ربما تقولون إلي:إان العسكر سيقيدونهم بالأغلال وسيجبرونهم على تلميع بساطيركم، وأقول لكم ربما كان هذا صحيحاً ،لكن ألا تعتقدون أن العسكر أيضا جائعون؟ وأنهم من تلك الفئة التي تصرخ أفواهها طالبةً أفواهها تستصرخ المساعدة. حتى لو أطاعوكم العسكر ألا تعتقدون أن الأفواه الجائعة ستزعجكم ،تارة بنحيبها، وتارة بتسولها وتارة ربما أقول بتمردها .

لا تتهموني باني اشتراكي أو أدعو إلى العصيان والتمرد،فأنا مثلكم، أتنّعم بخيرات الله ،ولا أنام أنا و أطفالي جائعين،أقول لكم أكثر من ذلك لديهم أجهزة كمبيوتر وموبايل والعاب لا تتسع لها خزائنهم .

لذا أرجوكم فانا لست يسارياً أو إرهابياً، وإنما أرى من حولي ألاف الأفواه الجائعة وسامحوني إن قلت لكم أنها حاقدة جدا علينا ،وسامحوني إن قلت لكم أني خائف منهم ،لا لأنهم ارهابيون ولا لأنهم يحبون منظر الدم، ولا أنهم يحبون الثورات، ولا حتى لأنهم يحسدوننا على سياراتنا، ورفاهية بيوتنا ،وإنما لأننا ضيّقنا الدنيا عليهم ،لم نرحمهم لا في العمل ولا في أشياء أخرى لا داعٍ لذكرها ،استبحنا أغلى ما يملكون ،استبحنا حقهم في الحياة الكريمة ،استبحنا وحللنا تسخيرهم لمصالحنا ،استبحنا عرقهم وقوتهم وأطفالهم وسامحوني في أحيان كثيرة نسائهم .

لذا أنا خائف أن يثوروا ،لا لأجل الكراسي ولا لأجل البيوت الفخمة ولا حتى لا جل الملابس الجميلة ،وإنما أخاف أن يثوروا لأجل رغيفِ خبزٍ أو كاسِ ماءٍ نظيفٍ أو لعبةِ طفلٍِ أو حتى لأجل حبة دواءِ.

أيها الناس القابعون وراء الأسوار العالية ، المتجولون بالطائرات المرفّهة والسيارات ذات الزجاج الملون ،انظروا خلف تلك الأسوار ،انظروا من نوافذ سياراتكم وطائراتكم ،سترون ما لا تسمعون من مستشاريكم المنعمّين ،لا تجعلوهم يحقدون ،و لا تجعلوهم يجوعون ،لا تحرموهم من ابسط الحقوق ،لا تحرموهم من ضحكات أبنائهم وبسمات زوجاتهم، ودعاء أمهاتهم ،أعطوهم ما هو حق لهم .

غضبُ الجائع كبير، وحقد المحروم اكبر، وحين يتفجر الغضب لا يعلم بما سيحدث غير الله.أيها الناس لن آتي لكم بالبراهين ،فثورات الجياع دمرت البيوت وأحرقت السيارات وقتلت وحطمت ونفت ..الخ انتم تعرفون البقية أفضل مني.

أرجوكم اطعموا الأفواه قبل أن تثور، فثورة الأفواه لا يوقفها إلا ؟؟؟؟



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد