صحيفة السوسنة الأردنية

يشغل الوطن العربي مساحة عظيمة الاتساع من اليابس تبلغ نحو 14 مليون كم²، وهو بذلك اكبر مساحة من الولايات المتحدة الامريكية بل يفوق بمساحته القارة الاوروبية كلها، وهو بذلك يمثل 10.15 % من مساحة اليابس في العالم، وتمتد أراض الوطن العربي عبر قارتي افريقيا وآسيا امتداداً شاسعاً بين خطي عرض 2ْ جنوباً (الصومال) و 37ْ شمالاً (شمال سوريا) وبين خطي طول 16ْ غرباً (على سواحل الاطلسي) و60ْ شرقاً (سواحل عُمان) ليصل اقصى امتداد شرقي غربي لاراضيه حوالي 6000 كم² واقصى امتداد شمالي جنوبي حوالي 4000 كم² ، وتبلغ نسبة الاراضي العربية الافريقية حوالي 72.6 % من مساحة الوطن العربي ومساحة الاراضي العربية الآسيوية النسبة الباقية (27.4%) .

ورغم هذه المساحة الهائلة للوطن العربي الاّ أنّ معظم اراضيه صحراوية حيث تصل نسبة الصحراء الى 95% من مساحة الاراضي العربية في افريقيا و80% من مساحة الاراضي العربية في آسيا، ولا تتعدى نسبة مساحة الاراضي التي تشكل بيئات ملائمة للانتاج الزراعي عن 12% من مساحته الاجمالية، ويزداد الامر سوءاً اذا علمنا بأن كميات الامطار تتناقص سنوياً في الوطن العربي الامر الذي يترتب عنه اتساع حدود الصحراء، ومن هنا تكمن مشكلة الدراسة ومبرراتها وأهميتها، اذ ليس من المعقول أن تبقى هذه المساحات الشاسعة من الوطن العربي مهملة وخارج اطار الخطط التنموية لحكوماتها بحجة الجفاف والتصحر والحرارة العالية، اذ يجب ان تتغير صورة الصحراء في الوعي العربي الرسمي والشعبي من الصورة السلبية الى الصورة الايجابية، وعلى المخططين وضع الصحراء ضمن خططهم التنموية العملية الشاملة وخاصة في المجال السياحي.

فالصحاري العربية مع جفافها الظاهري الاّ انها تمتاز بوجود تنوع بيولوجي هائل يتمثل في مجموعة كبيرة من انواع النباتات والحيوانات التي تعيش في اجواء من التكيف والتحايل، وقد بدأت الصحاري بشكل عام والعربية بشكل خاص في استقطاب السياح الذين يبحثون عن الهدوء والسكينة ومراقبة الطيور والحشرات والزواحف والتزلج على الرمال وسباقات الصحراء (خيل وهجن وسيارات ودراجات) والمهرجانات التي تعرض ثقافات واسلوب حياة شعوب الصحراء (Style of Life).

وللصحراء العربية خصوصيتها واهميتها بالنسبة للانسان العربي ومنذ القدم، وعلى واضعي الخطط التنموية تعزيز هذا الاتجاه، فليس من المعقول إغفال 90% من اراض الوطن العربي من الخطط التنموية ويمكن ابراز أهمية الصحراء العربية في الخطوط العريضة التالية :

1. كان للصحراء العربية دور أساسي في وجود الانسان العربي سواء وجوده المادي او وجوده المعنوي، ويكفي لتبيان بعض تلك الاهمية في بعدها الايجابي في ماض الانسان العربي أنْ يتذكر المرء أنّ الصحراء هي التي استضافت آباء العرب وأمدتهم بمقومات الحياة، وهي التي - فيما تروي الروايات- انقذت حياة ابيهم اسماعيل وابقت على وجوده المادي، عندما تفجرت على غير عادتها، ماء بركة (زمزم) روى ظمأ كاد يهلكه وهو مازال طفلاً صغيراً وربما رضيعاً، والصحراء هي التي أمدت من بعد سلالة هذا الطفل من العرب بالمقومات التي على ندرتها كفلت لهم البقاء والتكاثر (النفط والاسلام).

2. رغم ان نسبة الصحاري العربية تتزايد بوتيرة متسارعة من خلال عملية التصحر، فان مايجب معرفته هو ضرورة استثمار الانسان العربي لهذا المورد المهم الذي يعتبر حالياً أهم صادر عربي كما انها مصدراً مهماً للغاز، والعديد من المعادن، والصحراء في الوطن العربي تمثل حالياً اهم مصادر الطاقة.

3. ان التنوع والاثارة التي تتمتع بها اراض الصحراء العربية تجعلها مناطق جذب للعديد من السياح الذين تستهويهم مثل هذه الخصائص، ولذا تأتى الصحراء العربية في طليعة أهم مصادر الموارد المستدامة الحديثة في الوطن العربي وفي مقدمتها السياحة، حيث بدأت السياحة الصحراوية تكتسب اهمية متزايدة في اقتصاديات السياحة، ونظراً للمميزات الحضارية والثقافية والمناخية وغطائها النباتي والطيري والحيواني الفريد يمكن ان تصبح صحاري الوطن العربي الاكثر جذباً للسياحة الصحراوية.

4. الصحراء العربية هي موطن تربية ومصدر غذاء جزء كبير من الثروة الحيوانية، حيث يقدّر ان 42% من الئروة الحيوانية العربية تعيش على المراعي الطبيعية الموجودة اساساً في المناطق القاحلة وشبه القاحلة من الوطن العربي.

5. يضاف الى ماسبق ان الصحراء العربية تستضيف جزءاً من الموارد السكانية العربية وتساهم بجزء من الانتاج الزراعي العربي وتنمو فيها نباتات تدخل في بعض الصناعات.

اذن نستطيع القول بان الصورة السلبية التي يختزنها الوعي بشكل عام والعربي بشكل خاص عن الصحراء هي صورة تفتقر للرؤية الشمولية المتزنة وتنطوي على كثير من الجحود لخيرات الصحراء وفضلها على العرب.