المقصقص والطيار

mainThumb

21-07-2009 12:00 AM

بلال الشبول

مطلوب موظفين ... هذا ما تتجه نحوه أعينه عندما يتصفح الجريدة ... ثم يبدأ بقراءة الشروط المطلوبة .. هل تنطبق عليه ؟ ... مهارات الحاسوب .. إتقان اللغة الانجليزية ... ما المشكلة ! ... فهو يحتفظ بشهادة تثبت خبرته في الكمبيوتر لا بد أنها ستنفعه ... مطلوب خبرة ... ثلاث سنين .. خمسة سنين .. ولا يملك أي شهادة خبره ... وليكن ! ... سيحاول ... فالرزق بيد رب العباد ... يلبس أفضل الألبسة .. يخرج مع الطيور في الفجر .. يحاول ضبط أعصابه والبقاء هادئا برغم رداءة المواصلات وتأخرها .
ما أن يدخل محيط المكان المخصص لتقديم الطلبات حتى يجد أمامه طوابير بشرية ... مختلف الأعمار والأحجام ... شعر أسود وأبيض .. أو بدون شعر ... شبان بعمر الورود ... ورجال يغلبهم الشرود ... ينتظرهم الدود .... كل هؤلاء دون عمل ! . يتساءل كيف يحيون ... تتغير نظرته للآخرين ... يشعر أن معظم الذين يقابلهم في الطرقات دون عمل مثله ... حتى وان بدوا متأنقين في ملابسهم ... ما أقسى الحياة ! ... يهم بالرجوع ... فالعدد المطلوب لشغل هذه الوظيفة لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة ... بينما الجموع البشرية التي تستطيع عيناه رؤيتهم يفوق عددهم حبات القمح المنثورة على أرض لا حدود لها ... لا بد أن معظمهم يحملون مؤهلات و خبرات أكثر منه .... وليكن ! ... فقد وصل بعد مشقة وفراغ جيب ... و ماذا سيخبر أهله ! ... سينتظر ... انتظار أهل الكهف ... ينقضي النهار ... يبدأ القلق ... هل سيجد مواصلات في طريق عودته ... ينظر إلى المغادرين الذين انهوا المقابلة والى الذين ينتظرون الدخول ... تجمعهم نظرة واحدة تحمل القهر والألم ... والأمل . يدخل الغرفة المخصصة لتلقي الأسئلة والاستجواب ليبدأ الدفاع عن نفسه وكأنه المسئول عن ثقب طبقة ألأوزون ... يخرج مبللا بالعرق والشمس قد غابت لتوها ... ينسى ذلك اليوم الطويل ... الطويل جدا ... وكل ما يشغل فكره متى سيصل قريته ... وهل تكفي النقود التي يحملها لدخول باب بيته ... يصل البيت والجميع نيام وفي الصباح تصفعه الأسئلة من كل جهة ولا يعرف كيف يدافع عن نفسه ... يعود لشراء الجريدة ... وهكذا تسير حياته ... فالاستنساخ ليس للبشر والحيوان فقط ... فالأيام تستنسخ كذلك .
تلوح له بالأفق فرصة عمل مؤقت ... وهل يملك التفكير بالرفض ! ... المهم أن تجد عملا كما يقال ( العب بالمقصقص حتى يأتي الطيار ) ... يخرج من البيت قبل طلوع الشمس ويعود بعد غروبها .. يعمل بجد ... يتقن عمله .. فالخطأ ممنوع لان التسريح من العمل يجري بسهولة ويسر تماما كشرب الماء ... يتعرف على نماذج بشرية جديدة ... يشعر أن ليس إتقان العمل هو الشرط الوحيد للبقاء على قيد العمل ... وفي أول محاولة لإبداء رأيه والقول بما يعتقد يكتشف خواء بعض أولئك الذين يختبئون خلف ربطة عنقهم .. لا بل يعود متهما من جديد ... هل تتقن الضفادع لغة غير النقيق ! ... وهل تملك قطعان الخراف إرادة التمسك بصوفها أو حتى ما تملكه من لحم .... بعد مدة قصيرة يفاجأ بالاستغناء عن خدماته هكذا بكل بساطة دون مقدمات ... دون أي سبب ... يغادر عمله دون أن يعرف لماذا ... كل ما تملكه اللغة من مفردات ومصطلحات لتعزيته بفقدان عمله – المهدد بفقدانه قبل البدء به- لا تساوي لحظة قهر . . كل الصفعات التي تلقاها لاحقا لم تترك أثرا في وجهه ... فقد اعتادها .. إلا الصفعة الأولى لا تنسى ... فقد قضى حياته و هو يشتغل بالمقصقص ولم يأتيه الطيار .

human_touch26@yahoo.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد