حياة مؤقتة

mainThumb

27-07-2009 12:00 AM

بلال الشبول

كل الأحلام التي نبتدعها صغارا لا نملك إلا أن نتهكم بها عندما نصبح كبارا .. فالقصور والمسابح والملاعب وما إلى غيرها من رفاهيات الحياة تتحول مع الزمن إلى حلم اقتناء بيت صغير مكون من غرفتين فقط .. والأسوأ من ذلك عندما يتقلص الحلم ليصبح فقط الحصول على وظيفة دائمة ... وإذا ما ابتسمت لك الحياة .. ووجدت عملا مؤقتا ( مشاريع ) عندها تصبح إنسان من الدرجة العاشرة .. تحت رحمة المسؤول عنك .. تزداد قائمة الممنوعات لتجعلك مقيد الفكر والحركة .. لا داعي لإبراز عضلات لسانك .. فدوما التهديد بفقدان عملك مسلط على رقبتك .. حتى إذا ما لبيت نداء الطبيعة لقضاء حاجتك تسمع التهديد برحيلك لأنك ذهبت دون إذن ! و إذا ما تنفست من الأوكسجين فوق حاجتك .. أنت معرض لسماع الأسطوانة التي يتقنونها أكثر من عملهم ليذكروك في كل لحظة بأنك تحت رحمتهم .. وفي أي وقت يمكنهم الاستغناء عنك .. فذلك ما يتطلبه العمل!
أحيانا يتبرم البعض و يشكو من جدوى السنين التي أنفقها في الدراسة .. أخالفهم .. ولكن عندما تجد عملا و ترى أن المسؤول عنك يفوقك سنا فقط .. بينما تفوقه حكمة وأدبا وإنسانية وعلما ... لا تملك إلا أن تصاب بالقهر .
لا تتكلم نحن نتكلم عنك ... لا تفكر نحن نفكر عنك .. فقط اشتغل لكيلا نشتغل بك ! .. هذا شعارهم وإذا ما فتحت فمك لتبدي رأيك تجد رئيس عملك بوجه أنيس يخفي خلفه صك تسريحك من العمل في أي وقت شاء .. فقد تجرأت ورفعت رأسك لتشذ عن القطيع ! ..
وإذا ما اصطفاك الله بخصائل لا توجد عند غيرك .. فقد يصطفيك برئيس عمل خال من الخصائل الإنسانية .. تراه مجرد بوق .. والويل لك إذا حاولت الضرب على قيثارة لا يفهم لحنها . كما أن هناك جنودا تعمل في الخفاء لرفعة الإنسان والسمو به وتهذيبه ... هناك جنودا يعملون في الخفاء كذلك للحط من إمكانات الغير للتسلق إلى أعلى المراتب عبرها ...
و ما يلخص انحطاط هذا العصر وتآكله وتهشمه عندما تصبح الثقافة سببا في تهميشك وركلك لتعود إلى البيت كالكرسي الموضوع في باحة البيت .. انحطاط عصر تصبح فيه قراءة الجريدة تهمة لا تملك حقا في الدفاع عنها .. لتضاف إلى صكوك التسريح القابلة للصرف أي وقت شاء رئيس عملك الكريم .
سحقا لهذا العصر الذي أصبحت حياة الإنسان مؤقتة .. كالمشاريع ... قابلة للتوقف في أي وقت .. إما بسبب استهتار سائق طائش ... أو مزحة عابرة لصديق يحمل مسدس ... أو كلمة جارحة لا يقدر قائلها حجم نصلها الذي يدمي القلب والروح معا .

human_touch26@yahoo.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد