الاردنيون .. لا يعرفون الكماليات ولا يؤمنون بالرفاهية .. !

mainThumb

12-12-2009 12:00 AM

 محمد حسن العمري

-1-

يحدثني صديق يعمل مديرا اقليما لشركة الكترونية عملاقة بالخليج العربي ، انه يشعر بدفعة عملاقة خلال صلاة الجمعة في مدينة جدة السعودية ، يدخل المصلون مبكرا الى المسجد تفوح منهم روائح العود والعطور كما المسجد نفسه ، وكان يضيق ذرعا من صلاة الجمعة باحد مساجد عمّان ، يحضر غالبية الناس قبل الصلاة بدقائق واحيانا بعدها ، يرتدون البيجامات وتفوح منهم روائح النوم والفطور ، يدخلون كسالى كما يخرجون ، كأن، صلاة الجمعة كسرت على الناس يوما ادخر للنوم منذ بداية الاسبوع ، كان من الرجل ان حضر مبكرا ذات جمعة كما اعتاد ان يفعل في جدة الى احد مساجد عمان ، واحضر مباخر فاخرة واعواد بخور نعرف ويعرف من يعرف البخور ان الغرام الواحد منها يفوق غرام الذهب الذي لا يعرفون الاردنيون معدنا ثمينا غيره ، ولما حضر المصلون متاخرين كعادتهم المسجد وبالحالة التي نعرف ، بدأوا يضجرون من روائح البخور ويتأففون ، وقام رجل مسن وسكب ماء من انبوبة الماء الموضوعة للشرب فوق المباخر جميعا ، فيما قام خادم المسجد بالقائها جميعا مع النفايات..!

كنت استحضر مثلا شائعا ، والرجل يروي لي القصة ، لكنه دون لغة القلم عن الذي لا يعتاد البخور ، وكان هذا الذي حصل..!

-2-

نعلم جميعا ان المجتمع الاردني بالاجمال يمر بازمة اقتصادية كبيرة ، لكنها ليست اسوأ حالا من الازمة الاقتصادية في مصر ودول المغرب والسودان واليمن وسوريا ولبنان ، فالوضع الاقتصادي الاردني ان لم يكن افضل حالا من هذه الدول فهو بنفس السياق ، باستثناء الدول النفطية التي تعتبر حالة خاصة على مستوى العالم كله ، والحالة الاستهلاكية في الغالب هي نمط عام ليس مرتبطا وثيقا بالحالة المعيشية للافراد ، فالامارات العربية المتحدة والمصنفة ضمن اعلى معدلات دخل الفرد في العالم ، يعاني الكثير من افراد الدولة اي مواطنيها من مديونيات بنكية عالية بسبب البذخ في الصرف على الكماليات والرفاهية وليس على الامور المعيشية اليومية التي يتلقى الامارتيون دخولا كافية لتغطيتها وزيادة ، ولولا تدخل شيوخ الامارت سنويا لفض المديونية عن المواطنين تكون كارثة بالتاكيد، ومعروف في دول الخليج ان ما يسمى بالحضارمة وهم المتجنسون العائدون لاصول من حضرموت او المكلا اليمنية ، انه يعاب عليهم الشح رغم هيمنتهم على تجارة السلع في اسواق الخليج اجمالا ، فهم لا ينفقون الا على المأكل والسكن والملبس والتعليم ، وفي حالة انفاقهم على الكماليات فانهم يشترون الذهب وشراء الذهب هو في ظاهره وجه للرفاهية ، وفي باطنه وسيلة ادخار مقّنعة..!

وباعتقادي فان ما ينحى له الحضارمة الاغنياء في الخليج هو ما ينحى له الاردنيون بفقرائهم واغنيائهم هنا في الاردن ، وهو عكس ما ينحى له مثلا اللبنانيون الفقراء حيث تبلغ المشكلة الاقتصادية ذروتها في لبنان ، لكن النمط الاستهلاكي يتجه اكثر نحو الكماليات والرفاهية على السواء ..!

-3-

الذي يلاحظ البذخ الذي يمارسه عدد كبير من الاردنيين يعرف ان هذا البذخ يأخذ طابع الضروريات و التوغل فيها اكثر ، والاسواق الاردنية تشهد على ذلك ، فسوق مزدحم يغذي نسبة كبيرة من مناطق عمان الغربية ولا يتعدي طوله كيلو متر واحدة وهو سوق تلاع العلي يوجد فيه قريبا من عشرين متجرا ضخما – سوبرماركت- كلها للمواد الغذائية ، وتلحق بها المطاعم و الادوات المنزلية والملابس والمخابز والمفروشات ، بينما لو اقتطعت اي سوق نشيط كهذا السوق في المنطقة العربية حتى في الدول المتأزمة اقتصاديا ، تجد محلات متوازية للاكسسوارات والساعات والعطور و محلات الملابس التي تخرج من قائمة الاساسيات الى قائمة ملابس الرفاهية والموضة والعاب الاطفال، وحتى في المولات الجديدة التي فتحت في عمان منذ سنوات قليلة ، فانت تجد الازدحام دائما على الطوابق الاخيرة المتخصصة في المطاعم ، ينفق الاردنيون فيها ما اعتقد انهم يستخسرون انفاقها على اي مظهر اخر من مظاهر الرفاهية ، او التي يعتقدونها كذلك ، وحتى سنوات قليلة لم تكن ثمة متنفس للعوائل الاردنية غير مدينة الجبيهة للالعاب وبعض منتزهات مجانية متواضعة ، في الوقت الذي يخيل لي ان منتزهات بيروت والتلفريك فيه وجد قبل ان توجد المدينة نفسها، ومعروف ان اللبنانين ينفوق على كمالياتهم وعلى الرفاهية ، اكثر من شعوب الخليج العربي ، فيما ينفق اليمنيون الفقراء اكثر من مليار وربع المليار دولار سنويا على القات الذي يعتبر عادة اجتماعية و رفاهية – رغم التحفظ على ذلك- ، و ينفق الكثير من المغاربة الفقراء على الحفلات والرفاهية ما يجعلهم يؤمنون بانه ليس بالاساسيات وحدها تعيش الشعوب..!

-4-

يعتقد الاردني ان كان فقيرا او غنيا ، ان فاتورة التعليم والمأكل والمشرب والمنزل هي الاجدر بالصرف ، ولذلك مهما ارتفع دخل العائلة فانها ترفع من مستوى الاستهلاك بهذه الاتجاهات ، يزداد مثلا الصرف على السكن او التعليم اذا ارتفع دخل الاسرة ، وهذا يعرفه تجار الاردن في كل ازمة اقتصادية كما هو راهن اليوم ،فلو سألت اي تاجر في قطاع غير القطاعات الاساسية هذه ، فأنه سيحدثك عن كساد كبير ويقول لك ان التجارة الدارجة في الاردن هي تجارة الاغذية والملابس ، واذا تحسن مستوى الدخل تجد حركة عمرانية عقارية قوية ، وتظل كل القطاعات المعنية بالحاجات الاساسية او الرفاهية على كل الاحوال قطاعات كاسدة لان الاردنيين باختصار ، لا يعرفون الكماليات على مدار عقود ، ولا يؤمنون بالحاجة للصرف على الرفاهية ، فثمة مداخل كثيرة من الممكن ان تأخذ مكان هذه القطاعات في حال توفر دخل اضافي..!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد