هل ستكون هذه الحكومة أفضل من سابقاتها!؟

mainThumb

10-12-2009 12:00 AM

د. خالد سليمان

من وجهة نظر عالية التفاؤل تحاول التحلي بالموضوعية والإنصاف، تستحق الحكومة الجديدة التي يشكلها سمير الرفاعي الحفيد أن تحظى، أسوة بسابقاتها على الأقل، بفرصة زمنية معقولة لإظهار خيرها من شرها، حتى يغدو ممكناً تقييم أدائها بصورة متبصرة بعيدة عن الأهواء والحسابات الرخيصة لبعض القوى والشخصيات، التي دأبت على التصيد في المياه العكرة، عبر تتبع أخطاء الحكومات وهفواتها، وتضخيمها عبر أبواقها الإعلامية المأجورة إلى خطايا وسقطات لا تغتفر إلا بالاستقالة والرحيل!

في المقابل، ومن وجهة نظر واقعية، لا تعبأ كثيراً برفاهية التشاؤم والتفاؤل والمجاملة، أخشى أن أقول ـ وليخيب الله ظني ـ أننا لن نحتاج إلى الانتظار طويلاً كي ندرك أن الحكومة الوليدة لن تكون إلا نسخة كربونية عن أخواتها الراحلات، بكل خيرهن وشرهن، حتى وإن اختلفت عنهن بهذا القدر أو ذاك من الرتوش الهامشية التي لا تحدث أثراً يذكر!

فالمشكلة في حكوماتنا التي تشبه في سرعة تعاقبها سرعة تعاقب مواسم الحصاد، لا تكمن في شخصيات مشكّليها وفرقهم الوزارية في المقام الأول، بل إنها تكمن قبل ذلك في طبيعة البنية السياسية التي تنتجها وتحدد آليات تشكلها وعملها. صحيح أن لشخصية رئيس الوزراء ومن ثم لشخصيات أعضاء حكومته دوراً لا يخلو من الأهمية على صعيد تحديد طبيعة الأداء الحكومي وحدوده وآفاقه الممكنة، لكن ذلك الدور يبدو بالغ الهشاشة والتواضع أمام الآليات الثانوية في بنية النظام السياسي، التي تجعل من الحكومة مجرد مصرّف أعمال متثائب يعلم علم اليقين أنه ما جاء إلا ليرحل قبل أن يحس بدفء الكرسي تحته!

انقصاف عمر الأغلبية الساحقة من الحكومات الأردنية قبل أن تبلغ سن الفطام يؤكد أن الأمر ليس مجرد صدفة تنم عن عجز طواقم تلك الحكومات عن أداء المهام التي أسندت إليها على نحو مقبول، وبخاصة أن الحكومات اللاحقة لأخرى مقالة كثيراً ما لا تختلف عن سالفاتها كثيراً، اللهم إلا في الوجوه والأسماء، لا في الروح والجوهر، مع تذكر بأنه ليس من النادر أن تعود الأسماء ذاتها لإشغال مواقع وزارية أخرى، حتى قبل أن ينسى الناس بؤس أدائها!

نعم، فالعمر القصير للحكومات، لا يعكس مجرد فشل كوادرها في تحمل مسؤولياتهم، بل يعكس في واقع الأمر افتقارنا الصارخ إلى آليات ديمقراطية واضحة تنجب الحكومات، وتلزمها بالنهوض بأعبائها، بطريقة تبتعد عن الهدر والترهل والفتور والفساد. فعمل الحكومات في العالم المتقدم، هو عمل بيرقراطي محدد المعالم إلى قدر بعيد، دون إنكار اللمسات الشخصية لرؤسائها وأعضائها هنا وهناك، ومن ثم فإننا نستطيع أن نفهم لماذا يندر أن تتورط تلك الحكومات في تجاوزات خطيرة تجعلها تستحق الإحالة السريعة على المعاش!

آليات خروج الحكومات الأردنية إلى النور، ومن ثم عملها، تحتاج إلى دمقرطة جدية، تجعلها تحتكم إلى نشاط القوى والنخب السياسية وحراكها وتحالفاتها واستقطاباتها، لكن الإشكالية القاتلة، التي أشك أنها ستحل حتى مع إصلاح آليات تأليف الحكومات، تتمثل في الإعاقة المزمنة التي تعاني منها تلك القوى والنخب، التي تجعلها ـ كما يثبت كل يوم بصورة لا تقبل الجدل ـ عاجزة عن الخروج من دائرة اهتمامات تافهة وصراعات عابثة صغيرة، تجعلها تفقد احترام الناس قبل ثقتهم!

لدينا مشكلة حقيقية في نوعية النخبة التي يفترض فيها الأهلية والكفاءة والنزاهة لإدارة شؤوننا، وبعيداً عن عبارات التهذيب واللباقة، النخبة عندنا مهترئة وفجة وفاسدة، إلا من رحم ربي، والبكاء الحنيني المتفجع للكثيرين في أيامنا على فرسان ترجلوا منذ عقود طويلة، كوصفي التل وهزاع المجالي، يبرز أي نظرة يحمل الشارع العام إلى معظم الأسماء الراهنة التي تتطفل وتشوش فضاءنا العام!

أتمنى صادقاً أن يتمكن السيد الرفاعي، وهو الذي نهل من معين العلم في أرقى جامعات العالم: هارفرد وأكسفورد، أن ينجح في اختيار وقيادة فريق وزاري متميز ونظيف حقاً، يتبنى بالفعل القيم السائدة في تلك الجامعات، قيم النزاهة والعدالة والتفوق والإنجاز أعني؛ ما يجعل الناس يستعيدون الأمل بأن رحم البلد ما زالت قادرة على ولادة رجال ونساء نبلاء، يستحقون أن تعلق صورهم على جدران قلوب الأردنيين إلى جانب صور وصفي وهزاع .

sulimankhy@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد