أطفالنا والتلفزيون .. هل نفهم المشكلة بشكل صحيح؟

mainThumb

01-04-2010 09:00 AM

تشدّد القنوات الفضائية التي تبث برامج موجّهة للأطفال حصارها الطفل العربي، فالطفل اليوم أصبح مدمناً على هذه القنوات، وأصبح أمر إقناعه بعدم متابعتها أو حتى بانتقاء ما يصلح من برامجها أمراً صعباً للغاية، وبات الآباء والأمهات اليوم أمام مشكلة خطرة جداً، فأمام المدّ الجارف لهذه القنوات المادية البحتة التي يعدّ جلّها هدّاماً وغير متخصّص، يقف الآباء والأمهات مكتوفي الأيدي، وهم يشاهدون أطفالهم يتابعون وبشغف برامج عنيفة جداً وضحلة جداً وسخيفة لأبعد الحدود، وتبدأ فكرة التخلّص من التلفزيون نفسه هي الحل الأخير، فماذا نستطيع أن نفعل؟ وما الحل كي لا يقع أولادنا فريسة لهذا "التلفزيون" وهذه القنوات التي تشوّه نموهم العقلي ويكون لها الأثر الأكبر في تربيتهم ونشأتهم؟ لا بدّ أولاً من الإشارة إلى أن الأطفال الذين لم يبلغوا سن دخول المدرسة يشكّلون أوسع شريحة مفردة من بين مشاهدي القنوات الفضائية التي تبث برامج موجّهة للأطفال، إذ تقضي تلك الشريحة أكبر عدد من الساعات وأوفر حصة من وقت يقظتها في مشاهدة هذه القنوات بالمقارنة مع أي مجموعة عمرية أخرى، فما هي تأثيرات مثل هذه الحصة الكبيرة من الساعات يومياً في الكائن البشري النامي الحسّاس المنشغل بهذه التجربة الخاصة؟ وكيف تؤثر التجربة التلفزيونية في تنمية لغته على سبيل المثال؟ وكيف تؤثر في تطوّر الخيال والإبداع لديه؟ وكيف يؤثر وجود التلفزيون في طرق تربية الآباء لأطفالهم؟ على الرغم من أن الآباء أنفسهم كثيراً ما يشعرون بضيق عميق من التلفزيون وتأثيراته في أطفالهم، فإن اهتمامهم ينصبّ أكثر على مادة البرامج التي يشاهدها الأطفال، وليس على التجربة التلفزيونية ذاتها. إن حاجات الأطفال الصغار مختلفة، فنمو الأطفال يتطلّب فرصاً لتحقيق علاقات أسرية أساسية، وبذلك يمكنهم فهم أنفسهم، لكن كل ما تفعله التجربة التلفزيونية هو أنها تقلّص هذه الفرص. يحتاج الأطفال الصغار إلى تنمية طاقتهم على التوجيه الذاتي حتى يحرّروا أنفسهم من التبعية، لكن التجربة التلفزيونية تساعد على استمرار هذه التبعية دوماً، يحتاج الأطفال إلى اكتساب مهارات الاتصال الأساسية وتعلّم القراءة والكتابة والتعبير عن الذات بمرونة ووضوح حتى يؤدّوا وظائفهم كمخلوقات اجتماعية، غير أن التجربة التلفزيونية لا تعزز النمو اللفظي لأنها لا تتطلّب أي مشاركة لفظية من جانب الطفل، بل تتطلّب الاستقبال السلبي وحده. يحتاج الأطفال إلى اكتشاف نواحي القوة والضعف الخاصة من أجل تحقيق رغباتهم كراشدين في العمل واللعب على حدّ سواء، لكن المشاهدة التلفزيونية لا تفضي إلى اكتشافات كهذه، فهي في الواقع تحدّ من اندماج الأطفال في تلك الأنشطة الواقعية التي قد تتيح لقدراتهم فرصة حقيقية للاختبار. إن إشباع حاجة الأطفال الصغار إلى الخيال يتحقق بصورة أفضل للغاية عن طريق ضروب النشاط الذاتي لا عن طريق القصص الخيالية التي يعدّها الكبار ويقدّمونها لهم في التلفزيون. إن تلبية حاجة الأطفال الصغار إلى التنبّه العقلي تتحقق بصورة أفضل وإلى أبعد حدّ حين يمكنهم تعلّم الأداء اليدوي واللمس والفعل، وليس مجرّد المشاهدة السلبية. وأخيراً لا بدّ من دراسة التجربة التلفزيونية بالنظر إلى حاجة الأطفال إلى تنمية مهارات أسرية حتى يصبحوا هم أنفسهم آباء ناجحين ذات يوم، فهذه المهارات إنما هي ثمرة مشاركتهم الحالية في الحياة الأسرية وتجاربهم اليومية كأفراد في الأسرة، وتشير الدلائل جميعها إلى أن للتلفزيون تأثيراً مدمراً في الحياة الأسرية يقلّص من ثرائها وتنوّعها، فالتجربة التلفزيونية لا علاقة لها في أفضل الأحوال بحاجات الأطفال، وهي في أسوأ الأحوال ضارّة بهذه الحاجات. إن الجهود الرّامية إلى جعل التلفزيون أكثر جاذبية للآباء والأطفال عن طريق تطوير البرامج لا يمكن أن تؤدي إلا إلى اعتماد الآباء المتزايد على التلفزيون فقط كجليس للطفل وإلى زيادة "عبودية" الأطفال لأجهزة التلفزيون في بيوتهم، وهنا تكمن المشكلة الحقيقية.


husamawayih@hotmail.com
رئيس قسم التدقيق اللغوي – إدارة الإعلام
"مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية" - أبوظبي



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد