المثقفون والسلطويون

mainThumb

17-05-2010 08:49 AM

المثقفون والسلطويون ثمة اعتقاد شائع لدى الناس وفي مقدمتهم النخب الثقافية والفكرية مفاده أن العلاقة بين المثقفين والسلطويين علاقة صدامية تشوبها الريبة والتخوين، وتخيم عليها الضبابية والحذر، وتفتقر الى التبادل والالتقاء. وواقع الحال أن مثل هذه الضدية في العلاقة باتت قناعة راسخة في أذهان بعض من المثقفين والسلطويين معا. ان المثقف بما يحمله من ثقافة انسانية عميقة قد ترتقي الى فكر تنويري وجهد توعوي يخشى من السلطة فينظر اليها على أنها العين التي لا تغادره، والحارس الذي لا يفارقه، فتحد من حريته، وتقزم صناعته، وتوجه وجهته، وتشكك في نيته، وتقتل تميزه.




وفي المقابل ينظر بعض من السلطويين الى المثقف باعتباره المارد المتمرد على الأنظمة والتعاليم وأحيانا على الأخلاق والأعراف والتقاليد. فتكبح جماحه وتقوض مساعيه وتعرقل نموه وتحجر على ابداعه ومنتجه. اذن كل له منطلقاته وقناعاته ومبرراته وفي ضوئها يسوق مبرراته وتفسيراته.




 وهنا تكمن الاشكالية وليس الصراع كما ينزع اخرون الى تسميته لأن الصراع يفضي الى نهاية طرف على حساب اخر ولا يمكن أن ينتهي الى حالة وسطية او تكاملية. وعموما هي اشكالية ليست بالجديدة بل هي نتاج موروث تاريخي تراكمي وانساني عام لم ولن يقتصر على شعب دون اخر. ولكنها ترتبط ارتباطا مباشرا بهوامش الحرية والمساحات الديمقراطية ومؤسسات المجتمع المدني التي تتيحها السلطة لمثقفيها ولأفرادها وجماعاتها عموما.




 واعتقادي الذي أتمنى صوابه ولا ألغي احتمالية خطأه أن حل معادلة هذه الاشكالية يكمن في طرفيها معا أي في المثقف والسلطة. حيث يجب على المثقف أن يدرك حقيقة دوره الذي لا يقتصر فقط على النقد الدائم وتوجيه التهم على الدوام، وأن يكون نقده نقدا موضوعيا وبدافع التصحيح لا التجريح، والتطوير لا التدمير. فكما أن واجبه التوعوي يفرض عليه تنوير السلطة بالخطأ وتصحيح مسارها ان جنح، فإنه وبنفس الدرجة تفرض عليه مسؤوليته التوعوية أن يلفت النظر الى عظيم الانجاز ومكامن القوة ومواطن الفخر والاعتزاز، وأن لا يعتقد أن في ذلك مواربة وانحياز. لأن ذلك سيكسبه المصداقية، وسيزيد من فرصة الاستئناس برأيه، وتبني نصحه، وتقبل نقده، سواء كان في السلب أم الايجاب.




 فمثلما يقول للمسئ أسأت عليه أن يقول للمحسن أحسنت. كما وعلى المثقف أن يراعي الواقعية في طروحاته ومنتجاته فلا ينأى بعيدا عن مجتمعه وعما كان صحيحا من عاداته وأعرافه، فيتبع مبدأ "خالف تعرف" لأن السلطويين وقبلهم الناس عموما لن يلتفتوا كثيرا الى ما كان بعيدا عنهم فكرا أوسلوكا. وعلى المثقفين أن يركزوا عبر أدواتهم على معاناة الناس اليومية على نحو يخفف من محنتهم عبر ايصال معاناتهم وهمومهم الى السلطة معتمدين على الطرح البرامجي البديل وليس على مهاجمة الموجود فحسب. وحرصا على اتزان معادلة الاشكالية من جهة وللموضوعية والأمانة في طرحي من جهة أخرى.




 لا بد وأن يؤدي الطرف الثاني ما هو منوط به من مسؤوليات. إذ تقع على السلطة مسؤوليات ربما هي أصعب من مسؤوليات الطرف الأول. ذلك أنها تواجه مثقفين من مرجعيات وأطر فكرية متباينة. ولأن المثقفين هم في الأصل جزء من شعبها ولا يمكن تجاهلهم. فيقع على كاهلها مسؤولية تقبل ما كان واقعيا من الطروحات، وتبني ما كان وطنيا من النقد والملاحظات، واشراكهم في صياغة الخطط والاستراتيجيات عبر المدني والأهلي من المؤسسات. وعلى السلطويين أيضا أن يتقبلوا التغير والتغيير اذا ما كان نحو الأفضل.




 وأن تنظر الى المثقف الحق على أنه فرصة نهوض ومشروع استثمار وجزء لا يتجزأ من مسيرتها نحو الاصلاح والتقدم. وصدقوني لو وضع الجميع المصلحة الوطنية قولا وفعلا والثوابت المرجعية دينا وقانونا نصب عينيهم فسيصبح من السهولة بمكان حذف المعادلة (الاشكالية) بصيغتها الحادة. وأما حالات الاختلاف العادية فهي ظاهرة صحية ومطلوبة بل وضرورة ملحة لتصحيح مسار أو تعديل قرار أو عقد حوار أو توفير خيار بما يعود بالنفع على المثقف والسلطة وكلاهما لن يضار.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد