ضريبة .. عند طبيب الأمراض النفسية

mainThumb

01-07-2010 06:46 AM

 فتح الطبيب ملفه وسأل مريضته عن اسمها ، فأجابت : ( ضريبة بنت غرامة بن رسوم ) فرحب بها قائلاً : ( والنعم منكِ ، ما مشكلتكِ سيّدتي ؟ ) فأطلقت زفرةً قويةً من صدرها وقالت : (  آآآآه يا دكتور ، تقصد مشاكلي !! أنا الآن أكثر شخصيةٍ مكروهةٍ في الكون ، وخاصةً في الأردن !! ) فرفع الطبيب نظره إليها وقلمه ماضٍ في تدوين ما تقول فأردفت : ( إنني الآن أكره نفسي واليوم الذي ولدتُ به ، فأنا أعاني من حالة  ( التلوّن الحربائيّ ) لجلدي ، وكل يوم آتي بألف شكل ولون ، فيومٌ آتي على صورة أبي ( غرامة )  ويوم آتي على صورة جدّي ( رسوم  ) ، وأجد لنفسي صورةً جديدةً كل يوم أظهر فيها للملأ ، ولكنهم باتوا يعرفونني في جميع حالاتي ، ولم يعودوا قادرين على استقبالي في بيوتهم - مرغَمين- كما كانوا يفعلون من قبل ، فهم الآن يتشبثون بآخر رغيفٍ بين أيديهم ليطعموه لأطفالهم قبل أن أفرض نفسي عليه وآخذه !) .



      سألها الطبيب : ( وهل تعرفين السّرّ فيما آلت إليه الأمور ؟؟ ) ، قالت : (  طبعاً لكنك لن تصدقني !! فالناس هم أنفسهم من أوجدني ، وهم الآن من يذوقون عذابي !! فالغنيّ لا يُخرج زكاة ماله التي فرضها الشرع عليه ، وضعاف النفوس لم يعودوا يلتزمون دينهم فسرقوا ونهبوا ، والمسؤولين لم يعودوا يهتمون برعيتهم قدر اهتمامهم بملء جيوبهم وتكديس مدّخراتهم دون أن ينظروا لتلك الفئة التي يدفعها الفقر والجوع والحرمان إلى طريق الجنوح والجريمة ، كما أن البعض استمتع باستخدامي على ضِعافهم -  كحال البشر على مرّ العصور- يستقوي قويهم على ضعيفهم ، ما دام الأخير عاجزاً عن الرّدّ أو المقاومة ، فركب بعضهم على أكتاف بعض وصعد بعضهم وهوى كثيرون ، وهكذا ازددتُ وتكاثرتُ ، وأصبح لي من الأبناء والحفدة ما صرتُ عاجزةً عن تذكرهم ، وخاصةً أنني أتكاثر بالاستنساخ فيرثون مني صفاتي من الدهاء والتحايل ويظهرون بأشكالٍ أكثر شراسةً وقسوةً ، فلا يكاد مواطن يرفع رأسه حتى يهوي أحدهم على رأسه بمطرقةٍ ضريبيةٍ جديدة !! ) .



مسح الطبيب دمعة ترقرقت من عينه وقال : ( وماذا تريدين الآن ؟؟ هل تعانين من تأنيب الضمير ؟؟ ) فقهقهت ساخرةً وقالت : ( تأنيب الضمير ؟؟؟؟ عن أي ضمير تتحدث ؟؟ ما لي وللضمير إن كان من يستخدمني قد خدّر ضميره مما ضخّم أثري وزاد سلطتي و جبروتي ، وصار يرهبني الصغير والكبير ، فأذللتُ رؤوساً وأخضعتُ نفوساً كانت تأبى الهوان .. فلم عليّ أن أشعر بتأنيب الضمير ؟؟ أليس الأولى أن يشعر به من لا يخاف الله من المسؤولين والأثرياء الذين لو أدّوا فقط زكاة أموالهم للفقراء وقام المسؤولون باستخدامها في منفعة الوطن والمواطن وتوطيد البُنى التحتية وإنفاقها على بنودها الصحيحة دون أن يذهب جُلّها إلى جيوب الجشعين الذين لم يعد حتى التراب يشبعهم لما وجدتَ فقيراً واحداً ولا فروقات اجتماعيةً  حادة ، وحتى أنا وأبنائي كنا سنتلاشى واحداً تلو الآخر لأنه لن يكون لوجودنا فائدةٌ ولا معنى !! وأكيدة أنك تعلم  أنّ التاريخ أثبت أنه يمكن تحقّق ذلك كما حدث أيام الخليفة الراشد الخامس عمر بن عبد العزيز عندما كان ولاته يدورون بين الناس يسألون هل من محتاج ٍ فنعطيه ، ويعودون بالمال دون أن يأخذه أحد ، ولكن هذا طبعا يحتاج منكم أن تعملوا جميعاً على أنفسكم وأن تضعوا مخافة الله بين أعينكم ، ولكن ... أتدري ؟؟



 لا أعلم لم أقول لك هذا وأنا سعيدة داخلياً أن الوضع لصالحي !! )



  قال الطبيب بملل : ( أيتها الضريبة ، تبدو مشكلتكِ عويصة ولا يتراءى لي حلّ في الأفق !! ) تبسّمت الضريبة قائلةً : ( لا عليك يا سيدي ، أنا في الأساس كنتُ في زيارة عملٍ لعيادتك وقد آتت ثمارها ، فأنا على وشك ولادة عددٍ من أبنائي الجدد وأحببتُ أن ( أفضفض ) حتى أتمكن من مواجهة الناس لاحقاً بقوّة عندما يولدون ، وأنا قد سعدتُ جداً بزيارتك لدرجة أنني سأرسل لك أحد أبنائي لزيارتك زيارةً خاصة !! )



     بعد يومين ، قرأ أحد الزائرين على باب العيادة لافتةً صغيرةً تقول : ( عيادة طبيب أمراض نفسية للبيع ... بسبب تراكم الضرائب !! )


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد