ميزانية في نقاهة

mainThumb

11-08-2010 01:00 AM

  مع ارتفاع الأسعار باطّراد وزيادة الضرائب في كل حين ، تصاب ميزانية الأسرة المتوسطة بانهيار عصبي ، يتمثل في اختلاط بنودها وتغيّر أولوياتها وتعديل بعضها ، وإلغاء البعض الآخر وتأجيل الكثير منها. وتكتشف كثير من الأسر أنها لم تعد قادرةً على تلبية كافة احتياجاتها من ميزانية شهرٍ واحد ، دون اللجوء إلى الديون أو القروض من الأهل والأصدقاء أو الجهات المقرضة.



ناهيك عن التوجه التلقائي لبيع ما ادخرته الزوجات من مجوهراتهن وذهبهن ليومٍ أسود قد آن أوانه ، فيبدأن ببيع قطعةٍ في إثر قطعة لتغطية الفروقات الشاسعة التي أصابت الميزانية بالعجز أو بنوع من الشلل ، فلم تعد تقوى على جرّ نفسها للوصول إلى نهاية الشهر بسلام !! ويبدأ الوالدان باستجماع كامل قواهما العقلية وخبراتهما في الرياضيات والحساب ، وحتى في الخياطة ، لتـعـديل مقاسات هذه الميزانية وتوزيع الراتب – بالتي هي أحسن – على معظم احتياجات الأسرة الشهرية ، مع محاولة الاستغناء تماماً عن بعضها ، وتقليص معظم الاحتياجات من اللحوم والفاكهة لحدها الأدنى من أجل توفير الخضار على الأقل والتي بات سعرها خيالياً في حد ذاتها.



ويتنازل الأبوان بسرعة عن أي شيء كانا يرغبان في شرائه لنفسيهما مقابل ألا يحرما أبناءهما من شيء قدر الإمكان ، وتتخاطف أجرة البيت وفواتير الماء والكهرباء وأجور المواصلات والمدارس بقية الميزانية كوحش له مئات الأذرع !!
كل هذه الأمور التي أصابت الميزانية بانهيار عصبي ، سيتبعها بالضرورة انهيار عصبي في سائر أرجاء المنزل ، فربّ الأسرة يصيبه القلق والتوتر ويشعر بقلة ذات اليد وتأخذه الهموم وآلام الديون التي لا يعرف كيف ومتى سيتم تسديدها ، ويرى كل شيء يزداد سعره كل يوم ولا تبدو بوادر انفراج قريبة ، ويرى أبناءه يكبرون وتزداد مطالبهم وهو يشعر بالعجز والضيق ، فيقلّ صبره ويزداد غضبه ويصبح بركاناً متفجّراً لدى أدنى احتكاك ، ومهما حاول أن يتظاهر بالعكس إلا أن ردود فعله تندفع بقوة عند أيّ انفعال.



وتشعر الزوجة أن الأمور تزداد صعوبة وأنها تضطر للتنازل عن كثير من احتياجاتها الضرورية من أجل الوصول إلى مرحلة ( السّتر ) - كما يُقال - وأنّ عليها أن تضغط على أعصابها حتى لا تشتكي أو تتذمّر من هذه الظروف الصعبة ، فتحاول أن تصمت وتتصبّر ، لكنها هي الأخرى تصبح عصبية وسريعة الغضب ، ويتفلـّتُ غضبها على أطفالها بسرعة ، فيعلو صراخُ الجميع.



ويشعرُ الأطفالُ – غالباً – بحال والديهما ويسمعون الكثير من كلمات ( لا ) وكلمات ( فيما بعد ) و( لما ربنا يرزقنا ) ، ويشعرون بضيقهما وأعصابهما المتوترة ، فيصيبهم القلق مهما كان سنّهم صغيراً ،فـهم يدركون بالغريزة البريئة حالَ والديهما ويتوترون لتوترهما.



وهكذا تنقلب أجواءُ الأسرةِ من حالة الاستقرار إلى حالة الشـحن العاطفيّ المستمرة والتوتر، وهنا يزداد الاحتقان وتصبح الأسرة في خطر يتهددها إلا من رحم ربي. وأتوجه هنا بالنداء إلى كل والدين ، أن عليكما بالصبر والتأمل من الله خيراً ، فهذه حالٌ عامّة عسى أن يفرجها الله قريباً على عباده ، وهي نتيجة بُعدنا عن ديننا القويم ، وعلينا أن نرحم أطفالنا من شعورهم بالقلق الذي يأكلنا . وأقول أن علينا قبل كل شيء أن نلزم الاستغفار ونتوب عن ذنوبنا ونؤتي زكاة أموالنا ونكثر الصدقة فهما لا ينقصان مالنا بل يكثرانه ويبارك الله لنا به ، وعلينا بصلة أرحامنا فهي تبسط الرزق ، وأن نستبدل ثقافة الاستهلاك بثقافة الادخار ، فلا ننفق أي شيء على السلع الكمالية والرفاهية بل نتوجه بشدة للادخار .



كما علينا أن نقاطع الـسـلع التي ترتفع أسعارها ارتفاعاً فاحشاً والالتزام بهذا بشكل جماعيّ حتى يُرخصها تركنا لها ، ولا تستهينوا بـهـذا الأمر فهو فعّال إن تمّ بشكلٍ جماعيّ . كما أدعو الزّوجين أن يحاولا تعويضَ النقص الماديّ بمزيد من التقارب بينهما ، فلن تجعلَ غضبةُ ربّ الأسرةِ من طلباتِ زوجته الحال أكثر سعادة ، ولن تهبط عليهما الملائكة برزق لم يكتبه الله لهما ، ولن تشكّلَ شكوى ربة البيتِ من عدم حضور طلباتها كاملة حافزاً أكبر للزوج ليلبي لها طلبها ، لأنه أصلا لم يمنعه عنه إلا ضيق الحال ، وعلينا جميعاً أن نحاول التعاضد ومؤازرة إخواننا كلٌّ حسب سعته وتفقّد بعضنا ، فهذا فقط ما يجعل الله تعالى يوسع أرزاقنا .



ولتحذر جميع النساء ( أمهاتٍ وزوجاتٍ وأخواتٍ وبناتٍ ) من أن تدفع برجالها إلى طريق ( اللاعودة ) كما قد أسمّيها ، فقليلٌ من الصّبرِ يمنعان الرّجل - في غفلةٍ من العقل - من الوقوع بالزّلل والانحراف والاختلاس وأكل الحرام لكثرة ما يسمعُ من شكوى أو تهديدٍ بالانفصال ودمارِ الأسرةِ ، فلا تترُكنَ للشيطان مداخلَ إلى قلوبِ رجالكنّ من خلالكنّ ، ولتكن نساؤنا هنّ الأصيلاتُ الصابراتُ المحتسباتُ .



كما أحضّ الحكومات أن تتوجّه إلى تسعيرِ السّلع الأساسيّة لمنع الاحتكار وتشديد الرّقابة على التلاعب بالأسعار ، وعدم تبرير الغلاء بمبررات خارجية مما يساعدُ على أن يزيد التجار أسعارَهم لأدنى سبب ، فيكون هذا على حساب الشريحةِ الأقل حظّاً .
ولا نريد أن نقول كما قال حافظ إبراهيم : ( وغدا القوتُ كالياقوتِ *** حـتـى نوى الفقيرُ الصّياما ).. أمنياتي بالفرج وأن يوسع الله تعالى رزقنا جميعاً ، ( إنه كان غفّارا ، يُرسل ِالسماءَ عليكم مِدرارا ، ويُمدِدكم بأموالٍ وبنينَ ، ويجعل لكم جناتٍ ويجعل لكم أنهاراً ). 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد