عالم معولم مخوصص

mainThumb

11-01-2011 09:00 PM

 كثر الحديث مؤخراً حول العديد من المصطلحات والمفاهيم والتراكيب التي لم تكن رائجة ومتناولة من قبل، بل إن كثيراً منها ربما لن نجد لها أصلاً في المعاجم والقواميس العربية. ولكنها اليوم باتت تشكل مفردات أساسية في لغة الخطاب العربية والعالمية، مثل العولمة والخصخصة.



 وبعيداً عن الغوص في أصليهما اللغوي وجذريهما العربي من جهة، وبمعزل عن نظرية المؤامرة وعقدة الاستهداف المطلق للثقافة العربية والفكر الإسلامي من جهة أخرى. فإن العولمة والخصخصة وجهان للعملة الأجنبية ذاتها. فالعولمة ما هي إلا تجاوز الدولة اقتصادياً وإعلامياً أولاً، وبالنتيجة الحتمية سياسياً وفكرياً ثانياً. وبالضرورة لن يبقى ما هو ثالثاً.



 وأما الخصخصة فإنها تحويل ملكية الدولة -الى حد ما- ونقلها إلى ما يعرف بالخواص وهؤلاء بدورهم هم أرباب رأس المال بغض النظر عن أوطانهم. إن العولمة والخصخصة بطبيعتهما وتطبيعهما لا تعترفان بالوطن بمعناه الجغرافي وتركيبته الديمغرافية وهويته الفكرية وموروثاته الاجتماعية. الوطن في ظل العولمة والخصخصة هو العالم بأسره، وفي الوطن العالم أو العالم الوطن فإن منظمة الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان العالمية هي المؤسسات الاجتماعية الأهم، وصندوق النقد الدولي والشركات المتعددة الجنسيات هي المؤسسات الاقتصادية الأهم.




وفي الوطن العالم كذلك فإن المصالح هي الدستور، والفضاء هو الجغرافيا، والإنترنت هي الثقافة، وللأقوى الحق في صناعة الإعلام وصياغة الخطاب. وأما المواطن الجديد في ظل العالم المعولم المخصخص فأستميح قارئي الكريم عذراً أن أضعه ضمن ثلاث درجات لأصنفه على أساسها. فإما أن يكون مواطناً من الدرجة الثالثة ممن أطلق عليهم الأقل حظاً أو المحرومين أو المعوزين أو المنبوذين أو المعدمين أو الأميين وهؤلاء لن تنساهم الأمم المتحدة ببرامجها ودعمها بصفتها المؤسسة الاجتماعية الأهم في الوطن العالم.



 وإما أن يكون مواطناً من الدرجة الثانية وهو المستهلك بضعفه الإنتاجي وثقافته الاستهلاكية لكل المنتجات المادية والفكرية والالكترونية، والذي كلما ظن أنه اكتفى يفاجئ بمنتج جديد مادي أو معرفي فيسعى جاهداً لاستهلاكه، وهكذا يظل مهرولاً وراء كل منتج جديد بغض النظر عن مكان صنعه، وصلاحيته الفكرية، فالمهم لديه أن يشبع ميله وذوقه الاستهلاكيين اللذين لم يعد قادراً على التحكم فيهما. وأما مواطنو الدرجة الأولى فهم أولئك الخواص الذين أشرت إليهم آنفاً على أنهم أرباب رأس المال بغض النظر عن أوطانهم وهوياتهم لا سيما وأن الوطن العالم وطن لا يعترف بالهوية المدنية التي تحدد النوع والجغرافيا والدين.




وبعد هذه المحاولة لرسم العالم المعولم المخصخص، لا بد من أن أؤكد على أن المطلوب ليس التقوقع في حدودنا بعيداً عن العالم والمراوحة في مكاننا، بل لا بد من أن نكون أكثر وعياً وأعمق فهماً وأسبر غوراً لما يدور في العالم من حولنا. فنثبت أقدامنا أوتاداً في أوطاننا، ونزرع الولاء والانتماء غرساً طيباً دائم الخضرة في ربيع قلوبنا، وبعد ذلك نشرع الأبواب رحبة أمام عقولنا، ونفتح الآفاق واسعة أمام عيوننا. فنتابع ونراقب، ونرفض ونقبل، ونؤثر ونتأثر، ونستهلك وننتج، ونحاور ونسمع، فالمهم إذن الوطن الوطن ثم الوطن الأمة ثم الوطن العالم.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد