حكومات الحمل الكاذب

حكومات الحمل الكاذب

17-03-2011 01:07 AM

عودتنا حكوماتنا الرشيدة أن تكون أجندتها حبلى بتوائم المشاريع الإنتاجية، ومشاريع القوانين الإصلاحية، ومشاريع الأجندة الوطنية، والتي من شانها الارتقاء بالوطن وانجازاته ومقدراته، وبالمواطن ومستوى معيشته. وكعادتنا، نرحب دائما بقدوم كل ما سينجبه لنا ذلك الحمل من مواليد نأمل لهم مستقبلا زاهراً وعامراً ومكللاً بالنجاح والتوفيق، ليكونوا سنداً لنهضتنا الوطنية، وسبباً في تحقيق الرؤية الإصلاحية المنشودة. فترانا في كل حمل نستثير الأحبال الصوتية لمهدبات الهدب لإطلاق الزغاريد، ونستثير نخوتهن لرش " المخشرم" لحظة الولادة، ونستعطف العجائز والجدات بعدم تقديم خبراتهن المغلوطة في كيفية التعامل مع هؤلاء المواليد الجدد، والإستعانة بنصائح الأطباء والمختصين المبنية على أسس علمية وطبية واضحة، و ان لم يفلح ذلك الاستعطاف تُرانا نخفي كل أكياس الملح المركونة في خزانات "المطوى"، فهؤلاء المواليد إن تم تمليحهم سيؤدي ذلك الى جفاف وتشققات وتصدعات في الجلد، ونبعد "الملفع و القماط" الذي قد يكبّل ذلك المولود ويعيق حركته، ونمزّق " الخروق" تلك القطع التي تم استحداثها من ثوب لحاف قديم، والتي قد يؤدي استخدامها الى جعل المولود "يسمّط".



و نبدأ بتجهيز البدائل لذلك، فترانا نكثر من شامبوهات وبلسم الأطفال الفاخر من نوع " بيبي جوي" واطلع، ونكثر من حفاظات "البامبرز" الفاخرة ، و نتخير "ملفع" من اجود أنواع الأقمشة القطنية، و بألوان جذابة وبراقة و مطعّمة برسومات "بسيط" و "نظيف" و" سبونج بوب"، وإن كان كل ذلك على حساب قوتنا وقوت عيالنا، انطلاقاً من إيماننا المطلق بأن الوطن أغلى ما نملك. و مع توخّينا كل سبل الحيطة و الحذر في التعامل مع ذلك المولود، إلا اننا نتفاجأ في كل مرة بان ذلك المولود سرعان ما يصاب بالجفاف رغم "قلابات" الأكواسال التي نقذفها في فمه ، ويعرّي جلده "السماط" رغم استخدام " البامبرز" والاستعانة بـِ " الصودا كريم" لتفادي المشكلة، وتبدأ عليه ملامح الضعف و الهزل رغم أن رضاعته وطنية ! ونحاول تدارك الموقف بتعزيزه بحليب صناعي و تحت اشراف طبي مباشر و لكن دون فائدة، ويقف "السيميلاك" و "التيميلاك" و كل الأغذية الصناعية مكتوفة اليدين أمام ذلك الضعف والهزل الذي أصاب ذلك المولود، إلى أن يذبل ويجف ويسقط من بين ايدينا إلى ضيق اللحود ومراتع الدود، لنبدأ بعدها بالبكاء والعويل في وقت لا ينفع فيه بكاءٌ ولا عويل.



وهنا أسأل رغم إيماني المطلق بأن الأعمار والأرزاق بيد الله عز وجل، من المسؤول عن هذه النتيجة؟ فهل كان هناك خلل في عملية التلقيح؟ أم أن الولادة كانت قيصرية، وحدث هناك خطأ طبي في عملية استخراج الجنين؟ ام أن البيئة التي وضع فيها الجنين غير ملائمة لنموه؟ أم أن الحمل كان خارج كيس الرحم ، أم كان حملاً كاذبا؟ أيّاً كان السبب فهو غير مهم إلا في قضية واحدة، وهي تفادي تكرار حدوث ذلك مرة اخرى .



تزخر صحفنا اليومية و مواقعنا الاخبارية هذه الايام بمشاريع تنوي الحكومة القيام بها، و كان اخرها تشكيل لجنة الحوار الوطني، و التي يقع على عاتقها  وضع الأطر الرئيسة لقيادة حوار سياسي، يعزز مسيرة الانجاز والبناء على مكتسبات الوطن و مقدراته ، من اجل اصلاح سياسي شامل، و التوصل الى وفاق وطني شامل حول قانوني الانتخاب والاحزاب ، و قد صعقني عدد اعضاء اللجنة البالغ "53" عضوء من ناحيتين، الأولى الأرقام الفلكية التي نحبها، و نحن لم نستفق بعد من  صفعة الرقم "111" الفلكي ، و الثانية  ألا تخشى الحكومة من أن تستهلك هذه اللجنة جُلّ وقتها في مناكفات  تقسيم هذا العدد الى لجان فرعية، و تحديد رئيس و اعضاء كل لجنة؟ و مناكفات أن اللجنة "س" قد تم استبعاد "ص" منها، و أن "ع" قد تم تمثيله بأكثر من لجنة على حساب "ج"، و أن .... و أن .... و أن .... و أن ....



و هنا اسأل الحكومة: لماذا نتعامل مع القضايا الوطنية " كعزومة العنايا"؟ حيث تبدأ المنكافات بعد اخر "خماسي" تضربة الأخت الكبيرة، لتبدأ دبابيس اسئلتها تنخر في جسم المعزّب: " ولّ ..أني اخر وحده بتنعزم، جيف لو أني مش الكبيرة، أيّ ما بنعزمش لعاد، بلّ .. لو عزمت بنتي " تِرفه" هيه راح تقع بالصدر، ع الأقل بتحطلها واجب قدام عمتها و بترفع راسها بين سلفاتها، بلّ ... ولّ ..، بلّ ... ولّ ..، مما يثير حفيظة الأخت الوسطى و التي تقمعها الأخت الصغرى باطلاقها القنابل الصوتية و الغازية و المسيلة للدموع، و هكذا ينتهي المشهد دون أن ينطق المعزّب ببنت شفاه و لسان حاله يقول:   " أكلت حلاوةً و شربتُ ماءً، فكأنما لا أكلتُ و لا شربت"


حكومتنا الرشيدة، قضايا الوطن ليست " عزومة عنايا"  و شكراً. 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد