عروة والصعاليك الجدد

mainThumb

05-07-2011 04:02 AM

لو عاش عروة بن الورد سيد الصعاليك في هذا العصر لأشهر سيفه في وجه كلّ من قرنه وزملاءه من صعاليك نجد وصحراء الجزيرة العربية مع صعاليك هذه الأيام الذين امتهنوا اللصوصية والسرقة والسمسرة لا يميزون بين غني وفقير، ولا بين ثري ومعدم. فعروة استطاع بنبله تحويل مثالب الصعلكة إلى فروسية تجمع في ثناياها بعضا من معاني الشجاعة والصبر وشدّة البأس ورفض الظلم وخاصة الاجتماعي منه من فروق بين من يملك وآخر لايملك. ساعيا جهده إلى محاولة تحقيق نوع من التكافل الاجتماعي مع مجتمعه الذي ينتسب إليه من المشردين والجياع والمنبوذين، في زمن كانت شريعة الغاب فيه مستحكمة، زمن لم يستظلّ بالدين الإسلامي وسماحته وتعاليمه بعد.




 الصعاليك الجدد غير منبوذين من مجتمعهم ظاهريا؛ فهم عِلْية القوم من مسؤولين تسنّم بعضهم وزارة أو دائرة أو مديرية أو هيئة أو مؤسسة تعاملوا معها كخزنة أو مال داشر سايب، فخانوا الأمانة التي أوكلت إليهم، فسرقوا ما طالت أياديهم مشاريع كانت في نفوس الناس البسطاء أحلاما، وإذ بها تتحول إلى كوابيس وأضغاث.




هؤلاء الصعاليك ينتشرون انتشار الناموس والهسهس حول كلّ مصباح منير لاختلاس ضوئه ومصادرة بريقه. إنهم متكرشون بمال السحت والرشاوى والعمولات التي يقبضونها بأيادي السّوء غير البيضاء، والتي يُتَّفقُ عليها في ليل مظلم كسواد آخرتهم ومآلهم في جحر أو وكر تعافه النفوس الطاهرة.




لهم في العقارات باع، وفي الشركات ذراع، أصابعهم تدنس الماء الزلالا حتى لو جُرّت من جوف الأرض الطاهرة. وإن وطئت أقدامهم أرضا ميتة، زادوها رجسا وتأثيما. في عصر الجاهلية كان نهبٌ وغزو وقطعُ طريق، ولكن كان يُشتمُّ في ثناياه بعضٌ من معاني الفضيلة، والإيثار. وأمّا في عهر العولمة والخصخصة ومواخير الفساد، فقد تغيّر المسمى، وجردّت بعض المعاني السامية من محتواها، وأبقي على الرذيلة والأنانية وما يتبعها من معاني الدّونية والانحطاط.




 في الجاهلية كان هناك منبوذون ومطرودون من قبائلهم، وفي عهر العولمة هم السادة والأعيان، وهم من يتصدرون المجالس الحكومية منها والشعبية؛ ففي الأولى يصمّون آذاننا بخطبهم وخططهم بخيسة الثمن والتي لا تعادل المداد الذي كتبت به، وفي الثانية يخطبون مصونة من أهلها مستشهدين بآيات من الذكر الحكيم وبعض الأحاديث النبوية الشريفة للتوفيق بين رأسين بالحلال، فتجدهم يتعثرون بالتلاوة، ويتأتئون بالقراءة.




 في العصر الأول كانوا يسرقون من جوع وفاقة وحرمان ويكتفون بكفاف يومهم، وفي العهر الثاني يسرقون وهم أثرياء، يختلسون وهم متخمون، كروشهم تسبق أقدامهم، وأقدامهم تسبق أقفيتهم. لا يكتفون بمليون ولا بأكثر، عيونهم فارغة شاخصة إلى ملايين وعشرات الملايين. في الجاهلية بيوت من الخيش والشعر حاكوها بخيوط من لهيب الصحراء وشظف العيش، وفي العولمة رغد العيش، وقصور وفلل وضيع منيفة بنوها من مليون دنس، ومليار نجس.



عودوا إلى بارئكم ليتوب عليكم كما تاب على بني يهود بعد عبادتهم العجل!


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد