غلاء المهور والعنوسة .. السبب والنتيجة

mainThumb

11-07-2011 06:20 PM

قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}، وقال صلى الله عليه وسلم: "تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم ولا تكونوا كرهبانية النصارى"، وقال عليه السلام: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض"، وقال صلوات ربي وسلامه عليه: "تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك"، وشجع وحض رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم الشباب على الزواج فقال: "يا معشر الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء"، وقال عليه السلام ونبه الجميع: "أقلكن مهرا أكثركن بركه".

 لو كنا نطبق ديننا الحنيف لتخلصنا من جل مشاكلنا إن لم نتخلص منها كلها، فالأيات والأحاديث السابقة وضحت بصورة جليه كيف رغب الإسلام بالزواج وما هي المنافع المترتبة عليه من حفظ للبصر والفرج وتقوية لروابط الأسر وتواصل المجتمعات فيما بينها عن طريق المصاهرة والنسب، وتبين كيف حرص رسولنا الكريم أن يوجه الشباب نحو الزواج الشرعي وكيف أوصى الأهل بعدم رفض صاحب الدين والخلق وإن لم يكن غنيا أو صاحب حسب ونسب، بل لم يتم التطرق لباب المال أو الغنى؛ لأن الله جل جلاله هو الرزاق العليم، ولعل التوجيه النبوي الأهم فيما سبق هو الذي يبين به الحبيب المصطفى أن أقل البنات مهورا أكثرهن بركة ووالله بيوتنا أحوج ما تكون للبركة.

بكل تأكيد إن غلاء المهور ليس السبب الوحيد للعنوسة في مجتمعنا، ولكنه قد يكون مع ارتفاع تكاليف الحياة والصعوبات المادية الأركان الأهم في تأخير هذه السنة النبوية، فالعلاقة بين عزوف الشباب عن الزواج وارتفاع نسبة العنوسة عند الفتيات علاقة تبادلية بحيث كل منهما مرتبطة بالأخرى، وكلاهما ترتبطان بشكل رئيسي بظاهرة غلاء المهور، والزواج كنسق اجتماعي يؤثر ويتأثر ببقية النظم الإجتماعية الأخرى، فهو يتأثر بالأوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية والإجتماعية والتعليمية والصحية في المجتمع.

 ولأن الزواج الشرعي هو الطريق الوحيد والسليم والصحيح لإشباع الحاجات الجنسية بصورة يقرها الدين وترتضيها قواعد وثقافة المجتمع، بالإضافة إلى إشباع الحاجات النفسية والاجتماعية، فإن عزوف الشباب عنه وازدياد ظاهرة العنوسة عند الفتيات يؤدي إلى ظهور نتائج كارثية على الأسر وعلى المجتمع وعلى البلد بأكمله، فنحن نعيش في وقت تنتشر فيه الفضائيات والإنترنت المليئة بالتبرج والسفور والعري، بالإضافة إلى تزايد معدلات الانحراف الاجتماعي والتحلل الأخلاقي، وهنا تكون النجاة من هذه الفتن عن الطريق تحصين الشباب والفتيات بالزواج الشرعي السليم ونحميهم مما قد يقعون به من زنا أو زواج عرفي أو شذوذ جنسي أو إحباط نفسي لدي الشباب والفتيات. المهر ليس ركنا من أركان عقد الزواج ولا شرطا له، إلا أن الحكمة منه هو بيان أهمية عقد الزواج، والحفاظ على مكانة وكرامة المرأة، وليجعل الزوجان يقدسان الحياة الزوجية ولا يقدمان على إنهائها لأهون الأسباب واتفهها.

 يجب أن يكون معيار الموافقة على الشاب هو الخلق والدين كما يجب أن يبحث الشاب عن صاحبة الخلق والتربية الصالحة، ولا يعني هذا التقليل من أهمية العوامل الأخرى ومدى تأثيرها على الزواج والاستقرار الأسري ولكن نبينا حذر من تقديم معايير أخرى على معيار الدين، لأن النتيجة ستكون وقوع الفتنة والفساد على صعيد الأفراد والأسرة والمجتمع، وما الخلافات الأسرية وارتفاع حالات الطلاق إلا بسبب إهمال "الدين والأخلاق" في أغلب حالات الزواج، والالتفات إلى الجوانب المادية والكماليات الفارغة والشكليات.

 إن من حكمة ديننا الحنيف إنه لم يرد نصا في القرآن أو السنة يحدد قيمة المهر قليله أو كثيره ليقيد به أفراد المجتمع، إنما ترك الأمر مفتوحا، وهذا من تيسير ديننا الحنيف؛ لأن الذي يتحكم في مقدار المهر تفاوت الناس في المستوى الاقتصادي والمكانة الاجتماعية، بالإضافة إلى الاختلاف في الطباع والعادات والتقاليد، وهذه الجوانب تختلف من مجتمع لآخر، وكذلك تختلف في المجتمع الواحد من فترة زمنية لأخرى، بل إنها تختلف في المجتمع الواحد من طبقة اجتماعية لأخرى. ولأن الاستطلاعات التي أجريت في العديد من المجتمعات العربية أكدت أن السبب الرئيسي الذي يقف وراء العزوف عن الزواج والعنوسة هو ارتفاع قيمة المهور، فيجب على الأب والأسرة تحمل المسؤولية الكاملة والنتائج المدمرة من حرمان البنت من زوج صالح لأنه فقير أو لأن راتبه قليل أو لأن ابنتهم موظفة أو جميلة، فوالله إن الدين والخلق هما اللذان يجعلان الشاب يقدر الفتاة ويحترمها ولا يظلمها وليس ارتفاع قيمة المهر كما يعتقد الكثير من الأهالي، قد جهل هؤلاء الآباء ولم يعرفوا أنه في الحالة التي تصل فيها الحياة الأسرية إلى جحيم لا يطاق، وأنه لا يمكن الاستمرار والديمومة فيها، سيقدم الزوج على الانفصال مهما كانت التكاليف التي ستنتظره مرتفعة، وربما يلجأ الزوج إلى التضييق على الزوجة ويلجأ للإيذاء النفسي أو الجسدي حتى تصل الزوجة إلى الحد الذي تطلب فيه الطلاق ولن تنل ذلك إلا بالتنازل عن بعض حقوقها أو كلها، التي كان إعتقد الأهل أنها ستكون طوق الأمان والنجاة لابنتهم.

إذاً ارتفاع المهور ليس واقيا للأسرة من التفكك والتحلل، وليس أمانا للحفاظ على استمرار الزواج وضمان مستقبل الفتاة طالما أن الأسرة افتقدت لأهم مقومات الاستمرار الأسري وهو التوافق والهدوء النفسي والدفء العاطفي ومخافة رب العالمين وتقواه.

 لا يسعنا في ختام حديثنا المختصر عن ارتفاع المهور وظاهرة العنوسة المقلقة إلا التأكيد على الأسر والأهالي وأولياء الأمور بأن يتقوا الله بالشباب والفتيات وأن يلتزموا تعاليم ديننا السمح ففيه الوقاية والعلاج، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال وهو الصادق الأمين الذي لا ينطق عن الهوى: "ثلاث لا يؤخرن: الصلاة إذا حضرت، والدين إذا حل، والأيم إذا حضر كفؤها"، اللهم وفق شباب المسلمين واستر على أعراضهم وهيأ لهم من يأخذ بأيديهم إلى طرق الحلال وارزقهم الزوجات الصالحات والذرية الطيبة، وأبعد عن الأهالي الأفكار الشيطانية المدمرة التي لا تأتي بخير أبدا، وأرشد مسؤولينا للإهتمام بهذه الظاهرة والسعي لإيجاد الحلول المناسبة لمشكلتي الفقر والبطالة ومساعدة الشباب على تكوين الأسر عن طريق القروض الشرعية الميسرة أو عن طريق المساعدات العينية والدعم المادي وإقامة الأعراس الجماعية تحت رعاية الدولة وبمساعدة القطاع الخاص وأهل الخير وما أكثرهم في أردن الخير. Abomer_os@yahoo.com  



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد