ثمة انظمة عربية اعتمدت سياسة القمع بكل اشكاله وألوانه ، ما دفع بالشعوب العربية الى الانتفاض وكسر حاجز الخوف لتغيير الواقع المرير التي تعيشه هذه الشعوب في ظل القهر والتفرد بالحكم ، من قبل تلك الأنظمة الشمولية التي تجاوزت قيم الديموقراطية ، وراحت تحكم شعوبها بالحديد والنار .
من المعلوم ان الحراك الشعبي بدأ من تونس ثم ما لبث ان امتد الى دول عربية أخرى ، سقوط النظامين التونسي والمصري أنعكس على النظامين اليمني والليبي، اذ يشير المراقبون الى انهما لاحقان بسابقيهما بكل تأكيد ، وهكذا لم يعد محصنا من حراك الربيع العربي لا من يدعي ( شرف )الممانعة والوقوف امام المشروع الصهيوني الامبريالي ولا دول الاعتدال التي نأت بنفسها عن الشطط السياسي غير محسوب النتائج ، ومع هذا فلكل دولة ظروفها وربيعها الخاص بها ، كما هو مشاهد على الساحة العربية هذه الأيام .
في هذه العجالة سوف اتطرق الى النظام السوري والرهان الخاسر على امكانية اسكات الشعب السوري واعادته الى مواقعه ، وكأن دماء اكثر من ثلاثة آلاف قتيل سوري لم تسفك برصاص الجيش والشرطة والشبيحة،وكأن المعتقلات لم تضيق بحوالي عشرين الف معتقل والحبل على الجرار ، التعذيب والتنكيل يمارس جهارا نهارا في كل مدينة وقرية وضيعة. سياسة القتل بالتقسيط اسلوب مكشوف باتت الأجهزة الأمنية لغاية هذه اللحظة تمارسه بطريقة ممنهجة ، فلم يشأ هذا النظام الدموي - في الوقت الراهن على الأقل - ان يكرر مجزرته الشهيرة في مدينة حماة عام 1982 ،
هناك من أشار الى ايران بانها نصحت النظام السوري الى اتباع هذا الأسلوب ، في حين ان فريقا آخر اشار الى نخب قومية ويسارية من أنصار النظام ، هم الذين لا يحبذون القتل بالجملة خشية التدخل الأجنبي ، بيد ان الحقيقة تكشف بوضوح ان النظام لن يتوقف عن استعمال العصا الغليظة بلا رحمة ، في التعامل مع الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية بالرغم من سلميتها ، مهما كلفه من ثمن . رهان خاسر وخيبة أمل مني بها نظام بشار ، وهو اللعب على تفسيخ النسيج الوطني السوري الذي بات منقسما مع وضد ، لكن النظام لا يريد ان يقتنع ان الغالبية العظمى من الشعب السوري يرغب ويحلم في رحيل النظام من غير رجعة في غمضة عين، وهذا الحال وصل الى نقطة اللاعودة كما يشير المراقبون ،
وعلى ضوء ذلك جاء تحرك الجامعة العربية نحو دمشق بناء على هذا المشهد الواضح ، وعليه أرجأت الحكومة السورية زيارة الأمين العام والوفد المرافق لعدة ايام ، لعلمها ان العالم العربي على المستويين الرسمي والشعبي تولدت لديه قناعة بسقوط النظام السوري لا محالة ولو بعد حين ، في حين لو ان الرئيس وزمرته الحاكمة توخوا الحكمة والتعقل في تعاملهم مع الحراك الشعبي ، واستجابوا لمتطلبات العصر من اصلاحات دستورية وديموقراطية ،مع اطلاق الحريات العامة المفقودة ، لما وصل الحال في سوريا الى هذا الوضع الذي خرج عن نطاق السيطرة ، فالحراك الشعبي الساخن مستمر ومتفاقم يوما بعد يوم ، مهما كلفهم من تضحيات كبيرة ومتوقعة ، الى ان تتحقق مطالبهم وعلى رأسها اسقاط النظام الحالي .