سيادة الشريف .. عذراً فنحن عسكر!

mainThumb

21-09-2011 11:21 PM

كنت ممن تأثروا في الآونة الاخيرة بعنتريات الإصلاح المزعومة في نظامنا الحكومي "الرشيد"، وكنت قد بدأت بإقناع نفسي بخارطة الطريق الحكومية للإصلاح ومكافحة الفساد، إلى أن اصطدمت بصخرة الواقع اصطداماً مؤلماً، فحادثة إقالة السيد محافظ البنك المركزي قد أثارت في نفسي ألف تساؤل وتعجب، فما قد حصل؛ لا يمكن تأويله ضمن البرنامج الإصلاحي للحكومة بحالٍ من الأحوال.

 استبشرت خيراً بتعيين سيادة الشريف شرف محافظاً للبنك المركزي، فهو على دراية بمكامن السياسة النقدية تبعاً لخبرته المعتبرة نائباً لمحافظ البنك المركزي السابق؛ الفذ أمية طوقان، وله إلمامٌ ليس بالهين في سياسات الاستثمار الناجحة أخذاً بعين الاعتبار خلفيته المالية مديراً لوحدة الاستثمار في المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي.

ما زادني استبشاراً هو تاريخ العائلة النظيف، فسيادته نجل الراحل دولة الشريف عبد الحميد شرف، ولسنا بحاجة لمزايدات أكثر في إبراز شخصيات الوطن النظيفة المعطاءة. إلا أننا أحوج ما نكون إليه في هذه المرحلة الحرجة هو تتبع مخابئ الحقيقة وراء هكذا مشكلة، من الممكن أن يكون لها تأثيرها على موقف الأردن النقدي في الساحة الدولية.

 سمعت الكثير من التآويل لأسباب الاستقالة، أو بالأحرى ... الإقالة. منها ما ادعى بفشله في ادارة الاحتياطيات الأجنبية للبنك المركزي، ومنها ما ذهب مذاهب أخرى في التأويل حد تصوير سيادته بطلاً وطنياً منافحاً عن الخزينة وقدرتنا على الإدارة النقدية الحقيقية.

لست مع هذا ولا مع ذاك، إلا أن البحث في هذا الموضوع يجب أن يستوجب نظرة شمولية بعيداً عن الأبعاد الشخصية؛ لسيادته ولمعالي السيدة والدته، أو حتى لدولة رئيس الوزراء.

نبدأ بفكرة النظام ودولة المؤسسات، فالبنك المركزي هو لبنة وطنية أساسية في الدولة الأردنية، أدارت وتدير السياسة النقدية للبلاد باقتدار وحرفية عالية، وهذا مما لا شك فيه. إلا أن الإقالة بهذه الصورة، وعدم السماح لسيادته بإكمال المدة القانونية المنصوص عليها صراحة في نص المادة رقم (10) من قانون البنك المركزي رقم (23) لعام 1971 وتعديلاته، يعد خرقاً سافراً لمبدأ دولة المؤسسات الذي نزعمه، وبغض النظر عن أخطاء المحافظ، فالأساس أن يكون المسؤول الأول عن ادارة البنك مجلس ادارته لا شخص المحافظ. فمن أكبر الأخطاء أن تكون سياسة الأردن النقدية مرهونة بشخص محافظ البنك المركزي، مع أن الأساس في أمر مماثل أن تكون لشخص البنك المركزي الاعتباري والقانوني، باعتباره الجهة المسؤولة عن إدارة السياسة النقدية، وبموجب القانون. شخصياً، عددتُ تصرف دولة رئيس الوزراء بمنع سيادة الشريف محافظ البنك السابق من دخول البنك اعتماداً على قوة أمنية من قوات الدرك، تسريعاً لوتيرة انفعالات دولته وعدم مصداقية ردود أفعاله، فالعاقل الباحث في هكذا تصرف، يجد فيه تكريساً لفكرةٍ طالما أنكرناها وقمنا بتحويرها، مفادها هو حكم الجنرالات للبلد!

نعم؛ فدولة الجنرال رئيس الوزراء قد كرس بأسلوب المنع هذه الفكرة، وجذرها عمقاً وارتباطاً بالمخاوف الشعبية من ارتجاعٍ لسياسةٍ عرفيةٍ وعقليةٍ عسكريةٍ غير مبررة! مشكلة بحجم التي نناقش، ستؤثر لا محالة على سمعة الرافد الأساسي لنظامنا المصرفي الرصين، فالبنك المركزي يعدّ من أهم مؤسسات الدولة على الإطلاق، واهتزاز سمعته –لا سمح الله- سيؤدي كنتيجة حتمية وطبيعية إلى اهتزاز سمعة الأردن ككل. لا إصلاح ولا مكافحةً للفساد بوجود عقليات تختلق تصريحاتٍ متناقضةً بين مؤتمرٍ وأخيه.

 دولتكم، كل الاحترام على جليل خدماتكم، إلا أنك قد استغرقت وقتاً طويلاً على الدوار الرابع، فجهز الأمتعة والمتاع ، فقد حان وقت التغيير والإصلاح... وحان وقت انهاء خدمات المتنفذين في مصائر البلاد والعباد.. فالأردن سيبقى دولة مدنية بالرغم من بعض الأخطاء... فالجنرالات مكانهم ليس باحات البنك المركزي، وإنما ساحات الوغى في غور الأردن!!


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد