الاردن .. فلسطين .. سوريا .. مصر .. العراق .. ما الفرق ؟

mainThumb

27-09-2011 08:12 PM

كنت اقف على ربوة تطل على البحر الميت من جهة ماعين ، حينما خطر ببالي موضوع الانتماء ، فالمنظر من هناك جميل ، وشكل البحر الميت في انخفاضه المتميز يثير في النفس تيارا ناعما من العشق من نوع خاص ، عشق الارض والطبيعة والجمال الفطري ، ومتابعة مغيب الشمس هناك لوحة ولا اروع ، فشعرت بمشاعر جميلة كثيرة اهمها شعوري بان هذه الارض لي وهذه المناظر لخلابة لي ، وهذا البحر بكل اساطيره وكنوزه لي، وشعرت حينها باهمية ما املك ، ودار في خلدي بقوة غريبة موضوع الانتماء.

انا انتمي لاشياء كثيرة ، انتمي لنفسي حين اكون وحدي ، فالحب والشوق واللهفة والامل والالم والفرح والحزن التي اشعر بها في احيان مختلفة لا يمكن ان يشعر بها احد غيري ، بالرغم من تشابه المعاني عند كل الناس لكن الشعور نفسه بها يكون ذاتيا لا يحس به احد مثلي حينما يتعلق الامر بي .

انتمي لاسرة كانت سببا في وجودي وتكويني ، امي حفظها الله وابي رحمه الله واخوتي واخواتي ، وجدتي رحمة الله عليها يشكلون بالنسبة لي اطار وجود ليس بمقدوري ان انسلخ عنه حتى لو عشت منفردا او سافرت بعيدا ، فقد كان الربط وصار وليس بمقدوري ولا بمقدور اي احد ان يسلخني منه ، ومن يعتقد بعكس ذلك فلينظر لاسمه وليقل لي هل بالامكان تغييره فعلا ؟

وانتمي لاسرتي التي كونتها وارتبطت بي كما ارتبطت انا باسرتي الاولى ، هي مني وهي لي ، دمها من دمي وروحها من روحي وعقلها من عقلي ، ووجودها في الزمان والمكان من وجودي ، وحركتها في الحاضر والمستقبل مرتبطة بي بنفس القدر الذي انا مرتبط بها.

انتمي للعائلة الكبرى او العشيرة او القبيلة التي شكلها جد جدي ، اعتز بها وتعتز بي ، هي عزوتي وسندي عندما احتاج الى عزوه ففي الافراح والاتراح تجدها ، وان كان مطلوب في ظرف ما ومكان ما ان يتقدم احد بالخدمة بين يدي فترى اكثرهم شبوبية ونشاط ينبرون لهذه المهمات وانا اتفرغ لادارة الجلسة وللحديث مع من حولي لحين انقضاء المناسبة . ومن اهم شواهد انتمائي للعائلة او العشيرة او القبيلة طريقة كتابتي لاسمي حين اللزوم ، اذ تراني اكتب اسمي الشخصي ثم اقفز عن اسم والدي وجدي وجد جدي واكتب اسم العائلة او العشيرة او القبيلة سمها ما تشاء.

انتمي للوطن الجغرافي ، بالرغم اني لم يستشرني في تحديدة ولم اكن هناك عندما تمت صياغته ، الا اني اشعر للانتماء التلقائي له ، حبي له كبير وشعوري بالعزة والكرامة فيه عالية واهم من هذا وذاك شعوري فيه بالامان من الجوع والامان من الخوف ، وبالرغم من اني اعيش في منتصف جغرافيته الا انني لا اشعر باي نوع من الاغتراب عندما اسافر الى شماله او جنوبه ، شرقه او غربه ، انا انتمي لهذا الوطن.

وبينما انا في نفس المكان وعلى نفس الربوة ونظري يتابع تنازل قرص الشمس نحو المغيب ، امتد بصري الى ابعد من البحر الميت غربا شعرت بان الجغرافيا التي امامي هي القدس ، وللجنوب منها على الجبال المقابلة تقع بيت لحم ثم الخليل وللشمال منها تقع رام الله ثم نابلس. يا الله ... نفس الجغرافيا التي اقف عليها نفس اشكال الجبال ونفس العلاقة الطبيعية مع البحر الميت ، انها تماما مثل الارض التي اقف عليها ، اني اشعر انها ايضا لي وانا انتمي اليها ، وقبل ان يسمعني احد ويسألني احد سالت نفسي وهل انتمائي لها يؤثر على انتمائي للارض التي اقف عليها .. ارض الاردن ؟ شعرت بالجواب في جوارحي ينطلق بكل وضوح وعزم يقول لا ابدا ، هذا الانتماء الجديد هو دعم للانتماءات الاولى وتعظيم لها .

وطالما فتح الموضوع على هذا الشكل الرومانسي الرائع في لحظة جميلة وعلى جغرافيا جميلة عدت بذاكرتي لاحداث كثيرة خلت ، حينما سافرت قبل ما يقرب من خمسين عاما الى مصر لطلب العلم قليل التكاليف ايامها ، تذكرت انني لحظة وصولي اندهشت لكبر المدن وكثرة عدد سكانها ، ولاساليب المواصلات وشكل الركاب فيها ، والى البهجة عند سماع اللهجة التي كنا نراها ونحبها في شبابنا ايامها على شاشات السينما ونسمعها من المذياع ، لكن الذي ادهش ذاكرتي ايضا انني استطعت ان اتفاعل مع الناس والحياة هناك منذ لحظة الوصول ، وكاني كنت قد ولدت هناك وترعرعت هناك وتعلمت الحياة هناك ، كنت انتمي لها دون ان اشعر بل دون ان اعرف .

وتذكرت اول مرة سافرت فيها للشام ، ختمنا الجوازات على الحدود الاردنية ، ثم سارت بنا الحافلة مسافة  قصيرة قبل ان نصل الى نقطة الحدود السورية ، في تلك الاثناء خطر ببالي موضوع اولئك الذين من المحتمل انهم ولدوا او اصبحوا يعيشون في ذلك البرزخ بين الاردن والشام، ما هو حالهم وكيف يتحركون ويتنقلون ؟ وهل تعيش اسرهم وعشائرهم وقبائلهم على ذلك البرزخ فقط ام انها ممتدة الى عمق الاردن وعمق سوريا ، والى من منهما تنتمي ؟ الارجح انها موجودة هنا وهناك والارجح انها لا تعترف بفرق في الجغرافيا والارجح انها تنتمي للاثنين ، يا لحظهم السعيد ، ان انتمائهم في الواقع اشمل ومضمار حركتهم اوسع مني ... ولكني حين وصلت الشام حصل معي نفس الذي حصل عندما وطأت ارض مصر ، تفاعلت وتعاملت مع الجغرافيا ومع الناس من غير دليل ولا قاموس ولا ترجمان ، وعندما اذن لصلاة الظهر كنت قرب المسجد الاموي فدخلت وتوضات وصليت كما دخل وتوضأ وصلى كل اهل الشام ، قرأنهم قرآني ودعائهم دعائي وقبلتهم قبلتي ، ولغتهم لغتي والارض نفس الارض والسماء نفس السماء ، ولغة عيسى عليه السلام عندهم وعندي اذا انا انتمي للشام ايضا.

كيف ذلك .. انا انتمي للجغرافيا في الاردن وفلسطين ومصر وللشام والى اماكن كثيرة لم اتطرق اليها الان .. انا انتمي لنفسي ولاسرتي وقبيلتي وللناس في الاردن وفلسطين ومصر والشام والعراق .. ويا لمحاسن الصدف فالاردن وفلسطين ومصر والشام والعراق كلها تنتمي للوطن الام الوطن الكبير الوطن العربي.

اذا انا انتمي لكل الاجزاء في الوطن العربي الكبير، للجغرافيا واللغة ، للتاريخ والدين ، للتراث والتقاليد ، وعندي اعتقاد بان لا احد في الوطن العربي الكبير يختلف معي على شئ ، لكن الذي قد يتحاور حوله الناس .. ايها أول او من اين نبدأ ؟

عندي اقتراح بان نتبنى مفهوم ونهج  رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما سأله بعضهم اي الابناء احب اليك فقال ( الصغير حتى يكبر والغائب حتى يعود والمريض حتى يشفى ) ، ونحن في هذا الوطن عندنا كل الاصناف ، عندنا الصغير والمريض والغائب ، فلنتبع نظرية وتوجيهات الرسول الكريم  ونحبهم كلهم ونكون بذلك منتمين على اسس من العقيدة والواقع وربط العقيدة بالواقع.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد