نهيق السلامة

mainThumb

29-10-2011 10:11 AM

لا يختلف عاقلان في المضمون الذي ينادي به الإصلاحيون، فمطلب العدالة والحرية والكفاية وصيانة الكرامة، وتعديل الدستور وسيادة القانون وسلطة الشعب، وتلازم السلطة والمسؤولية والفصل بين السلطات، ووقف التداخل في الصلاحيات وتغوّل الأجهزة الأمنية -  وغيرها تمثل مطلب جميع الأردنيين بلا استثناء، ولا ينكر ذلك أو يعارضه إلا:

(فاسد متضرر بالإصلاحات، أو تابع له مستأجر لتنفيذ أجندته أو مخدوع بأضاليله، متخوف من القادم الجديد ).

     الإصلاحيون ومعهم الكثرة الكاثرة من الأردنيين قرروا السير بخطىً ثابتة على طريق الأردن الجديد الذي سَيُنهِي سنوات من التّهميش والاستغلال للإنسان الأردنيّ مِن قِبَلِ طبقة ارتَزقتْ بالوطن، واستنزفَتْ مُقدّراته، وجعلته شيكا في الجيب أو رصيدا في مصرف لا أكثر ولا أقل.

    جُيوب الفساد ولواحقها تدرك ذلك، ولا تَفْترُ لحظة عن إعاقة المسيرة، خاصة أنها تمتلك القرار بشكل مباشر، أو تؤثر في دوائر صُنعه بشكل كبير.

       لعب الفاسدون بكل الأوراق الزائفة، واستخدموا كل ما في جعبتهم لإسكات الضّجة قبل استيقاظ  النائمين من أصحاب الحقوق، ولتدارك الأمر قبل استفحال عدوى المطالبة بالإصلاح في قطاعات الشعب الأردني التي كانت دوما معدودة كأعمدة ارتكاز، ودعامات قوة، يستمدُّ منها النظام ثباته واستمراره، وتتيحُ للانتهازيين في قمة الهرم وضعا مريحا لاستكمال مشروع الإثراء، والاغتناء الآمن من المسائلة أو الملاحقة.

     لم تفلح كل تلك المحاولات، بل جاءت نتائجها عكسية، ووقف الجميع على أعتاب الورقة الأخيرة، ورقة الدم الأردني، لولا صحوةُ بقيةٍ من ضميرٍ، تعرف تماما العواقب الوخيمة المترتبة على هكذا خطوة كما في دول الجوار، فكبحت الجماح، وحالت دون الفاجعة.


     في ظل هذه المعادلة لم يبق أمام الفاسدين ومرتزقتهم إلا أسلوبٌ واحد في معركة صراع البقاء: أسلوبُ التّحوّلِ عن المضمون إلى الشّكل، وعن الْمَطْلَبِ إلى الْمُطالِب، فهم لا يملكون أيّ حُجّة لدحض المضامين التي يطرحُها الناس، وإنما يعترضون على شكل التعبير عنها، ولا ينكرون المطالب الُمحقّة، بل يشككون في نوايا المطالبين.

      إنها بلا شك خطوة البائس العاري من أدوات الإقناع، إذ يتحول عن الهدف السامي، والأسلوب الراقي، وينحدر في لغته وأساليبه إلى المكان الهابط، ليشتم الأخيار، ويبثّ ضلالات، ويتهم النوايا المخلصة، ويفتري الكذب، ويجلس في طريق الإصلاح ناعقا بالخراب، مخوفا ضعاف القلوب، لعله يوقف الجماهير المتزايدة على بوابة المدينة الفاضلة التي غابت عن دنيا الناس عقودا طويلة.

لا شك أن المشهد مؤلم، ويبعث الشفقة على هؤلاء، وهم يستعيرون وصفة الجُهّال مِن زائري المدينة المنورة، وكانت أرض وباء لا يناسبُ جوُّها الكثيرين من زُوّارها، وما كان للإنسان كي يسلم من وبائها - كما زعموا –  إلا أن ينهق كما ينهق الحمار قبل دخولها.

   فلقد جاء في الخبر الصحيح عن عائشة رضي الله عنها، أنه لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وعِك (مرض) أبو بكر وبلال، فجاءت عائشة رسولَ الله فأخبرَتْه، فقال:" اللهم حبّبْ إلينا المدينة كَحُبِّنا مكة أو أشد، وصححها وبارك لنا في صاعها ومدها، وانقل حمُّاها فاجعلها بالجحفة".

    كان هذا فعل الهادي البشير وهو يدخل (يثرب). دخلها بالأمل والبِشر والابتهال والثقة بالله، فبارك الله لهم هذا المدخل، وطابت المدينة لساكنيها، وطابت بهم، ونوّرت بأنوار الحبيب، ومنهجه في العدالة والكرامة والحرية والرحمة والصلاح.

   وها هم الأردنيون مقبلون بشوق كبير إلى زمنهم الجديد على هَدي نبيهم، بلا رهبة ولا توجس، يَنْشُدون عصر المدنِيّة، مُتسلحين بعدالة القضية، ومتمسكين بقيم الإنسانية، واثقين بقول الله تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ).

    في حين يظل الفاسدون وأتباعهم خائفين من الغد الواعد، يُطلّون برؤوسهم على السائرين إلى الأبواب المشرعة بالنهيق والإشاعات والاتهامات، تخويفا وتروعا للجماهير، وطلبا للسلامة.

 أقول: ليتهم إذ لم يكن لهم إيمان الصالحين وشجاعتهم وثقتهم بالله، أن يكون لهم عزم بعض الجاهليين العقلاء الذين كرهت نفوسهم هذا القدر من الغباء، وفضلوا الدخول مع الداخلين إلى دنيا الكرامة، حتى قال قائلهم مُتَرفِّعا عن ذلك الهبوط:

لعمري لئن غنَّيتُ من خِيفة الرّدى     نهيـــــق الحـــــمار إننــَّــي لمروع
إنها مجرد أمنية من مشفق:

ليتهم يغلقون إذاعاتهم، ويطفئون محطاتهم، ويبلعون ألسنتهم، ويتوقفون عن النهيق في وجه التغيير القادم، ويتذكرون نصيحة لقمان لابنه وهو يعظه:(وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ).


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد