تصـنعـون أعـداءكـم وتـبكـون قـتـلاكـم

mainThumb

04-03-2012 09:36 PM

 المنطق الكامن خلف هذه العبارة , يصف حالة الذي يسلك سلوكا ً خاطئا ً بالمعايير المتداولة في المجتمع الذي يقع السلوك الخاطئ فيه , ثم يأخذ في الصراخ والشكوى من نتائج سلوكه الذي ترتبه تلك المعايير, ويتظلم من موقف الآخرين من سلوكه, ومن نواياه في أي سلوك يتبع من مسالكه . 

وهومنطق ينطبق على الحالات الفردية التي يوجهها الفرد في المجتمع الخاص أو المحدود , كما ينطبق على سلوك الدولة في علاقاتها الدولية مع غيرها من الدول في التعامل المفترض به أن ينسجم مع المواثيق الدولية دون التجرؤ على تجاوز القيم التي تعطي حياة الإنسان وكرامته أهمية لا تدانيها أهمية , لا يجوزتحت أي ظرف مكاني أو زماني,أقتصادي أو سياسي , عسكري أو مدني,التعرض لأي من هذين المعيارين الساميين في القيم الإنسانية . وقد سبق لحضارات عديدة أنْ تباهت بما حققته من انتصارات عسكرية وما جنته من منافع مادية ومعنوية, ولكن ظل للمواقف التي تحمل طابعا ً إنسانيا ً في خضم الحروب والغزوات والفتوحات والاحتلال والاقتتال مصدر فخر واعتزاز,واعتمدت مثل هذه المواقف للدلالة على رقي تلك الحضارة وعلى روح مبادئها وقيمها الإنسانية , وطغت نتائجها ,إلى حد ما , على الكثيرمما يحمله الاقتتال والتحارب والعدوان من أحداث القتل والتدميروالنهب والحرق والتكسيروالتحطيم ... ومع الإقرار بأن التاريخ لا يحمل ذكرى لحضارة ما ملكت القوة ولم تستخدمها في تحقيق أغراضها ومآربها على حساب ( الحضارات ) الأخرى الأضعف في القوة وفي التمكن من التصدي والمواجهة لرد الأطماع ووقف العدوان. 

وظلّت القوة , وما زالت المحرك الأساسي للدوافع العدوانية والمحرك الرئيس للأطماع والمصدر الأكثر إغراء للطغيان واستباحة حقوق الإنسان , وضرب قيمه بعرض الحائط .

 عجزالقوة العظمى العسكرية في عصرنا الحالي عن الاتعاظ بالأحداث التاريخية التي مرت بها خلال الستين سنة الماضية , يتبدى بشكل مباشر في سياساتها الخارجية تجاه الدول الأخرى, والذي يواجه الفشل إثرالفشل دون اكتراث أو تفكّرفيما يمكن أنْ تكون عليه ردة فعل شعوب تلك الدول من غضب ومن امتعاض من تلك السياسات العشوائية التي تكيل بمكيالين وتعايرمواقفها بمعيارين عن سابق تقصد وإصرارامتثالا ً لغرائز طغيان القوة ومهاوي مقاصدها .

 درس فيتنام من الدروس التي كان يجب على التراث السياسي الأميركي,وعلى أفكارواضعي الاستراتيجيات والسياسات أنْ يضعوه نصب أعينهم في كل خططهم العدوانية على شعوب الدول في مراحل التنمية والتطور,وأن يفيقوا من خدرسلطان القوة إلى وعي إدراكي لصحوة قوة الإرادة الشعبية وصلابتها وقدرتها ومُثلها التي لم تتبدل منذ فجرالتاريخ بأن تقبل يوما ً السكوت على وجود قوات الاحتلال في أوطانها ولا مهادنة قواه العسكرية ولا الاستكانة إلى الأمر الواقع والمفروض بقوة السلاح. 

وكانت المأساة المهزلة التاريخية التي أصابت القوات الأميركية والقوى المتحالفة معها والداعمة لاحتلالها العراق وما آلت إليه أحوال جيشها ,وما انعكست عليه أوضاع داخلية ما زالت تعاني من توترات عرقية واقتصادية وأخلاقية في قلب المجتمع الأميركي,بعد أنْ توهم واضعو سياساتها تحقيق النصرفي أفغانستان ,مما فاقم من سوء أحوالهم العسكرية والأخلاقية المفعمة بالفضائح النتنة في أبوغريب وفي باغرام وغيرها من السلوك الذي كان يفترض من سياسييها أنْ يلتزموا صمت بقايا خُلُق المذنب في عدم الادعاء والتنظير في أدبيات - أذنب أيما ذنوب معهم واستسهل الدفاع عنها! - لم يتردد جورج بوش الإبن عن التساؤل لماذا يكرهوننا !؟ ولميتورع كرئيس دولة أقوى قوة عسكرية عن التهديد بالحرب والويل والدمار, ثم يدعي بعد الفشلنه كان ضحية سهلة للخداع المفتعل من مستشاريه ومعاونيه . 

فلم تكن أكذوبة "الأسلحة النووية العراقية "!!من دون علمه ,لأن تحطيم العراق كان مخططا ً له وموضوعا ًفي ملف نشط بحوزة المحافظين الجدد بعنوان" الفرصة(لضرب العراق )التي إن لم تأت , نخترع لها سبباً ً لقدومها " من أجل ضمان أمن الاحتلال الإسرائيلي وحماية وجوده .

 ونشهد اليوم بعد المأساة الليبية وما آلت إليه أحوال الشعب الليبي ,التي شاركت بها أميركا بطريقة غيرمباشرة إن الإصرارعلى السياسات الإمبريالية واللاأخلاقية في استعمال القوة العسكرية الحديثة ضد بلدان ضعيفة هو محور مركزي لسياسات أميركا برغم كل الادعاءات المضللة التي يتداولها "السلاح الإعلامي",و كان يمكن تجنب قتل الآلاف من الأبرياء بمعاونة المأخوذين بشهوة السلطة , للتخلص من القذافي الذي كان يعيش في عالم من الأوهام السلطانية التي أحيت ذاكرته بالسلطان العثماني الجديد.

 السيدة كلينتون القريبة من محافل صنع السياسات الأميركية ودوائره والمتمرسة في صناعة القرارات منذ كانت السيدة الأولى في البيت الأبيض,بدت أمام الأزمة السورية التي أظهرت بوضوح تمسك الشعب السوري باستقلاله وسيادة وطنه ,واحتفظ ساستها بهدؤ المقتدر والواثق , بدت كلينتون فاقدة القدرة على اتزانها الدبلوماسي وعلى الحفاظ على مصداقية كلامها¸فبعد أنْ حرضت المسلحين في سوريا على عدم الاستجابة لإلقاء السلاح ,لم يحتمل تناقض التصريحات حول الأزمة السورية لأكثر من يوم لتخرج بنقيضه في اليوم التالي.تعثر في المواقف, وسوء في أسلوب التكلم والخطاب مع الآخر,كل ذلك يعود لسوء حسابات وضعف رؤية" الخدعة "التي تتعرض لها السياسة اللأميركية بتحالفاتها الجديدة مع قوى طالما عدتها معادية التي ستنعكس إلى ضدها بعد فترة استقرارالأنظمة التي ترسم لها الطريق وتسهل عليها الإمساك بزمام الأمور.

 التمهيد لضرب إيران عسكريا ً يمرعبر سوريا, بمنعطف على مقاومة لبنان , وكل الحقوق الإنسانية وحريات الشعوب العربية وكل المُثل الديمقراطية ومبادئها, تهون, وتفقد كل معنى عند أمن الاحتلال الإسرائيلي وسلامة وجوده الأقوى في المنطقة, وهو الكيان المحظوظ في الوصول إلى قلب القوة الأم. من حق المعتدي أن يبكي قتلاه , أما الذي يصنع أعداءه بعلم منه أو من دون علم , بقصد أو بغير قصد, سيجد أن الناس تعرف الفرق بين دموع التماسيح وبين دموع التأسي .

 ومن المتوقع أن يتحول الساسة الأميركيون أنفسهم إلى بكّائيين على سياساتهم المبنية على قاعدة "الصفقة". والتعلم من الدروس, و إن لم يسبق هذا التعلم الغد, سيفوته بعد الغد .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد