لا شك إن الربيع العربي قد أعطى المواطن العربي جرعة من الشجاعة مكنته من كسر حاجز الخوف والرهبة من السلطات التي روعته بجبروتها وإجرامها عشرات السنين وان انطلاق الجماهير للمطالبة بقضايا أساسية في حياتها تتمثل بالحرية والكرامة والعدالة والمساواة وحقها بالحكم أو المشاركة فيه والدفع الكبير من القوى السياسية وعلى رأسها الحركة الإسلامية قد شجع الناس للمطالبة بحقوق حرموا منها عشرات السنين فجاشت عواطفهم مطالبين بالعلاوات والخدمات والترقيات ورفض القرارات , وأخذت تتسارع الحراكات المطلبية فمن مطالبات عمال المياومة إلى مطالب موظفي مؤسسة الضمان الاجتماعي إلى مطالب المهندسين والممرضين بعلاوات مالية إلى إضراب المعلمين للحصول على علاوة التعليم كاملة غير منقوصة إلى اعتصامات الأئمة والخطباء إلى اعتصامات رفض قرارات فصل البلديات ..........وغيرها كثير
والسؤال ماهو اثر هذه الحراكات المطلبية المختلفة والمتعددة على الحراك الإصلاحي
بداية لا بد من الإشارة إلى إن الحراك الإصلاحي الذي تقوده الحركة الإسلامية في الأردن وتدعو إليه قد حدد هدفا واضحا تمثل في إحداث تغيير جذري في النهج السياسي للحكم يقود إلى تشكيل حكومات برلمانية تشكلها كتلة الغالبية ويسمي رئيس الوزراء مجلس نيابي ينتخبه الشعب وفق قانون انتخابي عادل لجغرافية الأردن وديموغرافيته والمطالبة بوقف الهيمنة الأمنية وتدخلاتها بإدارة شؤون الدولة المختلفة ومحاربة الفساد والفاسدين, وعلى ضوء ذلك فان للحراكات المطلبية أثران ايجابي وسلبي على الحراك الإصلاحي
الأثر الايجابي :
1-استيعاب جرعة الشجاعة وكسر الهيبة والجرأة للتعبير القوي والصريح بحقوق طالما اعتبرتها الحكومة والنظام هبات ومكارم تمنح للموالين والمنساقين ضمن الصالونات والشللية ومراكز النفوذ.
2- زيادة عدد المستجيبين للمسيرات والاعتصام وأعداد المتظاهرين في الشارع.
3- تحقيق بعض مطالب المواطنين وتحصيلها.
4- زيادة ثقة المواطنين بالنفس والقدرة على الانجاز.
الأثر السلبي:
1- تشتيت الجهد الجماهيري والاخواني تحديدا فبدلا من التركيز على انجاز حزمة القوانين الناظمة للمطالب الإصلاحية تم صرف جهود وأوقات كبيرة لتحقيق المطالب أو أجزاء منها .
2- توجيه نظر الحكومات واستجاباتها لمعالجة مطالب المواطنين بدلا من الضغط عليها لانجاز الإصلاح السياسي المطلوب.
3- فقدان الإجماع والتفاف كل القوى وحتى الإفراد حول أيا من المطالب لسببين:
أ- إن أي حراك مطلبي تقوم به أي شريحة من المواطنين يلحق ضررا بشريحة أخرى ( إضراب المعلمين, إضراب موظفي الضمان, رفض الهيكلة) فأولياء أمور الطلاب والطلاب شريحة واسعة من المواطنين لحقها ضرر من إضراب المعلمين , والمنتفعين من الضمان أيضا شريحة واسعة يقوم موظفو الضمان بخدمتهم التي توقفت من إضراب الموظفين, أما رفض الهيكلة فكثير من موظفي التقاعد المدني قد ناضل من اجل الرواتب الأساسية وبالتالي لا يروق له رفض الهيكلة التي ضاعفت رواتبهم التقاعدية.
ب- إن الحراك المطلبي دافعه تحقيق مكتسبات مادية لشريحة محدودة وليس مطلبا عاما يخدم عموم المواطنين.
4- استطاعت الحكومات إن تملك زمام المبادرة في الحراك المطلبي ولو بطريقة غير مباشرة وتشغل الرأي العام بالقضية المطلبية وتزيد أو تقلل من شدة الحراك المطلبي بما يخدمها ويصرف الأنظار عن أمور أخرى جوهري (فإضراب المعلمين تزامن مع تمرير الموازنة التي تهم كل مواطن ولم تأخذ حقها من التفاعل).
5- إضعاف قيادات الحراكات المطلبية وإفقادهم رمزية القائد الإصلاحي الوطني وإبرازه بدور الساعي لتحقيق منافع مادية ضيقة.
6- إن تشجيع الحراكات المطلبية وتقويتها قد يحمل في ثناياه معوقات للمرحلة القادمة المتوقعة بعد انجاز الإصلاح وإقرار حزمة القوانين الخاصة به كأدوات لإثارة الفوضى والإرباكات أمام الحكومات البرلمانية القادمة والتي يتوقع تشكيلها من الحركة الإسلامية.
وعليه أرى إن ينصب الجهد الآن لانجاز الحزمة الإصلاحية أولا ثم تبدأ مرحلة من البناء للمستقبل وتقييم ومحاسبة للمرحلة السابقة.