يبحث الفرد الحر عن احتياجاته السيادية

mainThumb

18-05-2012 02:55 PM

جاء المنجز العملي لجهد الإنسان ومجمل أفعاله التطبيقية بحكم الضرورة والحاجة الملحة ,غير المستندة إلى معرفة مسبقة أو معلومة منقولة عن تجربة سابقة له أو لأسلافه من قبله, بل مدفوعة بمجازفة غير مضمونة النتائج تثيرها غرائزهياجة ودوافع متعلقة بمصيره ووجوده وبقائه . وكان  من أهم البنى التي ورّثها لأحفاده هي البنى المعرفية البدائية والملامح العلمية الأولية للظواهر  الطبيعية  التي مربمعاناته بأهوالها وتغيُر أحوالها ,ونقل تجربته بوضوح معرفا بها بما تولدت لديه  من خبرات كانت بمثابة ثقافة جدّد بها الإنسان مسارات حياته وعظّم قواه ليسيطرعلى معظم  الظواهر الطبيعية ومظاهرها ويجندها لخدمة أهدافه الترقوية والتطورية .
 
وإن كنا لا نعرف بدقة طبيعة العلاقة الفيزيولوجية ونوعها بين الغرائزالبشرية التي انفطرالإنسان عليها وبين  الذكاء الطبيعي , وفيما إذا كان الذكاء أداة صالحة لتعمل على كبح الغرائزالإنسانية    كي تجنب الواحد نتائجها السلبية منها على وجه الخصوص ,أم على توجيه اندفاعها المجنون  وتهدئته في كثير من الأحيان . لا دورواضحا, في مفردات صراع البقاء, يمكن أن نعزوه إلى   الذكاء في تعرُف الإنسان على أهمية الغذاء الذي يبقيه حيا نشيطا وقادراعلى السير والعدو والقفزوالعمل    وبذل الجهد والبقاء حيا دون التأثر بقوى خارجية من الأعداء المحيطين به , ولكن لا ننكر إن    الذكاء ساعد الإنسان على فرز الأغذية التي تقيته ولا تلحق به ضررا ,وتمكن من   تصنيف الأغذية التي كان عليه أن يتناولها بل وعمل بذكائه على انتاجها لتوفيرها في مختلف الظروف والأحوال. ولم يكن,أغلب الظن, دافع الإنسان إلى اتقاء شرالبرد وعوامل الطقس المختلفة عائد إلى درجة ذكائه ,بل إلى حاجة مدركة بالإحساس الفطري باتقاء شرور تقلباته ,كما إن حاجته إلى النوم والراحة غير مرتبطة بحاجته إلى درجة معينة من الذكاء بل بحاجته المدركة للراحة والاستقرار والأمان.
 
 تدرك المجتمعات الحيوية إن حاجات الإنسان الأساسية لم تبق على ما بدأته من مطالبات أولية   تمثل صلب الحاجات الأساسية للإنسان من ثلاثية تشكلت من --- الغذاء, والمسكن , والملبس ---   أو بصيغة أخرى المأكل والملْبس والمأوى  وإنما انتقلت مع ترقي الوعي السياسي لدى أوسع قطاعات الشعب بمختلف مكوناته , وارتفاع سوية الوعي في البنى الاجتماعية بدورالمواطن في صياغة مستقبله ومستقبل مجتمعه ووطنه , وإن هذه المهام لم تبق مهام السلطة الحاكمة تحت أي شعارات أوعقائديات أو شرعيات أونظريات اقتصادية أو دعوات خيرية,وليست هي حكرا على الأحزاب السياسية أو المنظمات والتيارات من أي نبع ثقافي أو عقائدي تستقي,أوالنخب في أي     فلك فكري تدور, ولهذا كله ارتقت سوية تحديد احتياجات الإنسان من كونها  حاجات أساسية    إلى صيغة كونها احتياجات سيادية  لأن كرامة الإنسان منسوجة من تكريم الخالق له. والكرامة الإنسانية تتحقق بالمجتمعات التي تتولى القياادة فيها نظم تكلل دساتيرها منظومة الحريات الفردية دون انتقاص أو وصاية وتتوجها المنظومة التعددية التي تمثل الواقع المتكون طبيعيا وتبرزدورها المنظومة الديمقراطية التي لم يفلح أي بديل آخرعلى منافستها.
 
 والتمسك بهذه الاحتياجات السيادية تحرم , بطبيعتها الجوهرية أن يمثل أحد إرادة أحد آخرما لم يتنازل الآخرعن إرادته وتفويضها تفويضا مرتبطا بموقف ما طواعية إلى الآخر,وأن لا يملك أحد حق ادعاء حرصه على الصالح العام بما يمليه على الآخرين من مواعظ , أو يسنه من تشريعات دون مشاركته الفعلية  وموافقته القانعة , وحفظ حقه في عدم قبولها إنْ مست حرياته أو أيا منها, ولم يعد من الحكمة أن تدعي سلطة ما , بغض النظرعن المؤسسة التي تمارس من خلالها سلطتها ,رسمية كانت أوحزبية أو مدنية أو خيرية ,إن واجبها أنْ تفرض على الآخرين مفاهيم الأخلاق العامة , وأن واجبها الحفاظ على القيم العامة وتحديد ممارساتها, فهذا الأمر ليس من شأنها من ناحية أولى ,ولأن التراث  الشعبي تصنعه أجيال عديدة في مراحل زمنية متوالية وتصيغ أدبيات ذلك التراث مكونات شعبية تعددية في نشأتها تتنوع أصولها وقيمها وثقافاتها من ناحية ثانية.
 
الذي يتوهم إن من واجبه أنْ يقود الناس في طريق الصلاح , هو بكل تأكيد فاقد الصلة بطريق الصلاح , لأن بلاد الحريات تستقطب الأحراروالمبدعين بالضرورة الذين لا يطيقون قيود     الوصاية من أي كان , ولأنه ,كما أشرنا في كتابنا (الحرية,ما تبقى للإنسان من حرية – دار أزمنة عمان , 2009) : خير  الناس في ترك الناس يقررون ما هو خير لهم .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد