ما بين عبدون واليرموك .. ( تناقض الصورة وضرورة العبرة )

mainThumb

11-07-2012 08:39 PM

 وقفت اليوم على شرفة شقتي، وقلما أفعل انشغالا بمتابعة ما يحصل داخل الوطن وحوله، مما أشغل  دوائر العقل، وأمات أجزاء من النفس، فكان لا بد من الهروب، من ثقل الأخبار، وبشاعة الصورة التلفزيونية والإنترنتية، وما أن وقعت عيني على السيارات الفخمة التي تمر أمامي بحجمها، وحداثة موديلاتها، وفخامتها، وألوانها التي قد لا تُرى أشباهها إلا في عبدون ومثيلاتها من عاصمتنا الحبيبة عمان -حتى مددت بصري في بيوت عبدون وفراهتها وجمالها وكأني أراها للمرة الأولى، فلطالما أعجبت بها، وتفاخرت بما عليه عاصمتنا  الحبيبة من جمال ونظافة، وكنت أظن نفسي قادرة على الجمع بين إعجابي بجمال عمان، والانحياز إلى الفقراء في بلدي، ولكني أعترف اليوم أن نظرتي للأشياء قد تغيرت، وكأني كنت بحاجة للبوعزيزي حتى يغيّر تعريفي لماهية الجمال ومعناه، فالواجهات الحجرية والقواعد الرخامية لا قيمة لها إن لم تكن مرتكزة على أساس متين من عرق الجبين، والرزق الحلال، لقد حلّ التساؤل اليوم محل الإعجاب: من أين يأتي الناس بكل هذه الأموال لإقتناء ما لديهم؟! فقيمة ما يراه المرء أمامه في كل بيت يساوي الملايين، فكيف بما هو غير منظور من الأموال المنقولة وغير المنقولة؟!

 
إن هذا المنظور من المال يكاد يساوي مجموع ما أخذه أساتذة قسم من أقسام جامعة اليرموك التي رفدت الوطن بكثير من الأيدي العاملة والخبرات منذ إنشائه، وكيف لزوجين يحملان أعلى الدرجات العلمية، ويعملان طيلة النهار، وأجزاء من الليل لعشرات السنين وبالكاد يقدران على اقتناء شُقيقة في عبدون؟!
 
وعندما انسابت الذكريات  استحضرت صورة ابنتي الحبيبة أسماء التي دخلت المحاضرة تقطر ماء في الشتاء المنصرم، ولم يقلقها شيء سوى تأثر علامة المشاركة بتأخرها، فقد وقع حادث لباص القرية الوحيد قبل أيام، ولما كانت تغيّر 3 مواصلات حتى تصل إلى الجامعة، فقد تأخرت، وهي بحاجة للمحافظة على الامتياز حتى تضمن توظيفها لمساعدة والدها رجل الأمن العام المتقاعد الذي قضى 30 عاما في حراسة أمننا وأماننا الذي نتفاخر به ليل نهار، وخرج بتقاعد لا يسمن ولا يغنى من جوع، وابني الغالي محمد الذي يعمل أبواه في سلك التربية والتعليم، كنت أراه في ساحات الجامعة مشاركا في كل احتفالات الوطن يرقص ويغني فرحا، وهو بالكاد يغيّر قميصة في الفصل الواحد عوزا وفقرا، وهل يمكنني أن أنسى الأستاذ الدكتور في جامعة اليرموك (س) الذي سمعته يجادل موظفا في الكلية من أجل الحصول على قلم للكتابة على السبورة، ورفض أن يعطيه واحدا جديدا مشترطا عليه إحضار القديم ليثبت أن حبره قد جفّ، ولما سمع العميد الجدل بينهما خرج ليخبر الأستاذ أن كلام الموظف هو الصحيح، ولم يحصل الأستاذ على القلم!
 
كنت  من قبل أسمع قهقهات شياطين الفساد الذين حينما يسمعون مقدار ما يأخذه أستاذ الجامعة أو الطبيب العامل في القطاع الحكومي أو المعلم.... يقهقهون استغرابا واستهجانا، فصفقة فساد واحد قد تعادل مجموع رواتب قطاع واحد أو أكثر!
 
لكن قهقهاتهم اليوم باتت منحبسة في حلوقهم وهم يرون ما حل بالفاسدين في دول الجوار من صفرة الوجوه وذلتها، وتشوه الجثث والتمثيل بها، وبعدما اشتموا رائحة غياهب السجون،  وبعدما رأوا تجميد  أموال الشعوب في الخارج، وتخريب البيوت، وتدمير الأوطان، وما خفي أعظم!
 
صحوت من ذكرياتي اليرموكية، وقلقي على ما يمكن أن يُجرّ الوطن إليه على (فاردة) عبدونية لناجح في التوجيهية، فقلت في نفسي إن هذا وجه شبه بين عبدون واليرموك، فكلاهما تحتفلان بمواكب الخريجين لكن شتان بين سيارات الاثنتين وبذخ الطرفين!
 
أقول: إن كانت هذه الأموال من جد واجتهاد، وعرق جبين، فصحة وعافية، وأما إن كانت الأخرى، فقد آن الأوان الاعتبار من ثورات الجياع الذين نُهبت أموالهم وأرزاقهم في غفلة عين قضوها يخدمون وطنهم، ويحرسونه بأهداب عيونهم، وفي لحظات راحتهم وفرحهم القليلة كنت تراهم يغنون لوطنهم، ويفدّون قيادته.
 
ولئن كانت الحكومة عجزت أو تقاعست في إعادة المال المنهوب، فقد آن الأوان  وقبل فوات الأوان لإعادة بعضه خيارا من خلال المبادرة بإنشاء صناديق لإعادة بعض ما نهب لأصحابه، لسداد المديونية، ومساعدة الشباب على تخطي محنهم، وإيجاد فرص عمل لهم، والتبرع لصناديق إعانة الطلبة في الجامعات، والتبرع لدعم مؤسسات الدولة المختلفة، فليس كثيرا على أغنياء الأردن أن يعلنوا كما أعلن ثالث أغنى رجال العالم (وارن بافيت) بأنه يعيش حياة عادية وأنه سيتبرع بـــــ99 من أمواله، ولا كما فعلت رجال ونساء من العالم المتحضر بالتبرع لمؤسسات البحث العلمي لعلاج الأمراض الخطيرة أو حتى  لإيجاد مأوى للقطط والكلاب هناك!


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد