وبعد كل الذي حصل فمن اين نبدأ ؟

mainThumb

03-09-2012 01:47 PM

يقول العلمانيون بان الدين لله والوطن للجميع ، وهم يقصدون بذلك الفصل بين الدين والسياسة على اساس ان العلاقة مع الله هي علاقة تعبد يختارها الانسان من منتسبي جميع الاديان اختيارا كل يتعامل فيها مع الله بحسب معتقداته ، واما المعاملات الداخلية في الاوطان فهي تخضع لمبدأ تساوي حق المواطنين في الحصول الحقوق والواجبات التي يستحقونها اي كانت دياناتهم او اعراقهم او اجناسهم.
 
وتتلقف فئات الناس هذه الفكرة بطرق مختلفة بحسب معتقدات وثقافة كل فئة ، والملفت للنظر ان اختلاف فئات المجتمع ليست الا اختلافات سياسية اساسها اقتصادي ، فالجميع يعترفون ضمنا بان هناك واقع في المجتمع لا خلاف عليه وانما الخلاف هو في اسلوب التعامل مع هذا الواقع اما لتغييره او حتى لاقناع الاتباع بقبوله مع سرد مستفيض لبمبررات قبوله.
 
يقول الفكر الراسمالي بان طبقات المجتمع مفروزة منذ الازل ، فهناك الاغنياء الذين يملكون وهناك الفقراء الذين لا يملكون وهناك الطبقة الوسطى وهي بمفهوم الفلاسفة طبقة انتهازية متسلقة اصلها من الفقراء لكنها تتمسح في طبقة الاغنياء لتظهر وكانها منهم . وشكل ومنهاج الحكم عند الراسماليين يتلخص في ان على الفقراء ان يعملوا في مواقع الاغنياء فيعطوا الكثير من الجهد ليأخذو جزء من عائد كدهم يكفي لسد رمق العيش عندهم وذلك اسمى متطلب عندهم  بينما يأخذ الاغنياء اصحاب العمل باقي ناتج جهد وكد الفقراء ليضخموا ثرواتهم وذلك في نظرهم حق طبيعي وعائد منطقي لاستخدام الفقراء لادوات الاغنياء في العمل . ولدى الراسماليين الاغنياء  في نهاية المطاف فلسفة تقول بان هذا النظام الذي يعمل فيه الفقراء باموال الاغنياء ليجنوا عائدا يستفيد منه الطرفان هو غاية في العدل وهو جدير بالاحترام والحماية ، الاحترام من خلال اقتناع العامة به والحماية من خلال تسلم زمام السلطة.
 
ويقول الفكر الاشتراكي والذي ولد اصلا من رحم الفكر الراسمالي ولكنه جاء كردة فعل لمعاناة الفقراء بسبب شعورهم بعظم العطاء وقلة المردود وظلم التوزيع للثروة يطالب بالتغيير الجذري في مفهوم العلاقة بين العمل والحاجة ورب العمل فقال : من كل حسب طاقته ولكل حسب احتياجه ، وهي فكرة فلسفية طوباوية غير قابلة للتطبيق الكامل ، بل ادى التقوقع حولها الى انهيار حاميها في الدول الاشتراكية كلها ، ولم يبق من اتباعها الا بعض احزاب هنا وهناك لا تقوى على انتزاع اي نظام بالطريقة التي كانت متاحة لها منذ بداية القرن العشرين وحتى ثمانينياته.
 
كلى النظامين اراد خلال عصور ازدهاره ان يعطي لنفسه صورة النظام البديل العظيم ، فاخترع حربا معلنة على خصمه واخترع حربا سرية على اي فكر غير فكره وعلى اي فلسفة غير فلسفته في ظل المفهوم القائل بان خير وسائل الدفاع الهجوم ، ولانه كان يعرف تماما بان فطرة الانسان في كل زمان ومكان تفرض عليه ارتباط شديد القوة بالمفعوم الديني والتعبدي بل يعرف علماء الغرب والشرق بان التدين في الانسان غريزة اتفق كلا النظامين المتخاصمين على فتح معركة مع الفكر الديني القوي المسيطر على عقول البشر اينما كانوا ولكن بطرق مختلفة ايضا ، فالماركسيون اسياد الفكر الاشتراكي حاربوا الفكرة باسلوب صارم وقاسوا فانكروا على الناس ايمانهم بوجود الله وبالتالي وجود الاديان وانطلقوا من ذلك لحرب على الواقع الديني وعلى التاريخ الديني الا انهم فشلوا في كسب معركة الاديان وها هي مدن روسيا تسترجع اسمائها ومآدنها تسترجع اذانها وكنائسها تستعيد اجراسها. 
 
اما النظام الراسمالي فكان ادهى من النظام الاخر في حربه مع الاديان فاراد ان يسجنها في زنزانة محشورة لا تدخلها شمس ولا هواء ولا زائرون فحاولوا ان يقنعوا الناس بان الدين لله ( كانهم يضعون الدين في زنزانه) والوطن للجميع، وكان ذلك هو الاذكى في فتح المعركة لانه استطاع ان يكسب جزء من المعركة ، ونظرا لنعومة طرحه انجذب لفكرة العديد من الناس الذين لم يتفهموا الطرح الديني كما يجب ، ثم ازدادوا ضراوة في مواجهة النظام الديني الحنيف حيث اصطنعوا عدوا من قلب المفهوم الديني بسهولة ، فقد عرفوا وغذوا مفهوم التطرف الى ان اصبح واقعا قويا له بعض صولات هنا وهناك والصقوا به صفة الارهاب وطرحوا الحرب معه على بساط المزايدة فايدهم فيه من لم يفهم اصل الموضوع وسببه وهكذا اعتقدوا بان النجاح في ترسيخ فكرهم اصبح قاب قوسين او ادنى.
 
كلا الفكرين يعترف بوجو الله وبقدرتة وبان له في الارض منهاج يسير الناس عليه بالفطرة ، والناس في الحقيقة يؤمنون بالسليقة بان الدين لله والوطن لله والناس لله وما خلق على الارض من موارد وضعها الله بنظام وتحكم فيها بنظام ويسر للانسان فهم واتباع ذلك النظام من اجل الاستمرار في عمارة الارض والنهوض باهلها مهما زاد عددهم او تنوعت خواصهم ، ولان الله هو صانع كل تلك الاشياء ومقدر لاسلوب تعاملها وتفاعلها فانه الاقدر على جعل السيادة والعزة لما خلق وما اوحى من افكار تسود في الارض ، وقد وضع للنجاح في ذلك وسائل متعددة لا تتوقف ولا تنكسر شاء من شاء وابى من ابى ، وهو الذي قال بانه جاعل الانسان في الارض خليفة ، اذا فسيبقى الانسان على الارض سيدا ان اتبع النظام الذي اراده الله للارض لكي تعمر وتبقى عامرة ، هذا النظام موجود في كل مكان ومن السهل جدا التعرف عليه لمن اراد، وااكثر الناس تعرفا عليه واتباع له هم اصحاب العقول والتجارب وعلى رأسهم العلماء. 
 
اذا بعد الذي حصل منذ نهايات القرن التاسع عشر ، وخلال القرن العشرين كله وما صاحب ذلك من صعود وهبوط وتجارب لكل الافكار في كل بقاع الارض ، والى ان بدأ الربيع العربي وما يجري في العالم الان فان التجربة غنية والطريق واضحة والربيع العربي يقول بانها سالكة لكل ذي فكر مستنير وكل متعلم فاهم ولكل فقيه للواقع ، وفي النهاية لا يصح الا الصحيح.   


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد