مغيَّرون وخيِّرون أيضاً

mainThumb

14-11-2012 10:45 AM

 يبدو الأدب الروسي، في استعادته، كأنه نشيد واحد ذو لازمات واحدة تتكرر عند كبار الروائيين، في القرن التاسع عشر وفي القرن العشرين. أيام القيصر وأيام السوفيات: السجن والاضطهاد وسيبريا. الملاحقة والمنفى. من إيفان تورجنيف الذي هرب إلى باريس في القرن الأسبق إلى الكسندر سولجنتسين الذي هرب إلى أميركا في القرن الماضي. 

 

لكن الظاهرة التي لم تلق التفات النقاد والدارسين في حياة الأدباء الروس أن أكثرهم صرف الجزء الأكبر من حياته في عمل الخير، بالإضافة إلى أنه كرس أعماله نفسها لمحاربة الظلم. لم يقتصر ذلك على الكونت ليو تولستوي، الذي ولد ثريا وبذل ثروته في سبيل الفقراء، بل هكذا فعل أيضا المسرحي العظيم انطون تشيخوف، الذي ولد في عائلة فقيرة لأب بقال. عانى الابن من الفقر والإهمال لكنه انصرف إلى الدرس حتى أصبح طبيبا وكاتبا شهيرا. وما أن قدَّرته ظروفه المادية من شراء منزل لعائلته ومزرعة صغيرة حتى انصرف إلى عمل الخير، طبيبا ومسعفا ماديا. وفي برد روسيا القارس كان المفتش الطبي تشيخوف يتنقل في الأرياف لمعالجة مرض الكوليرا. كما عالج الآلاف منهم في مزرعته. وراح يجمع التبرعات لشراء الجياد للفلاحين وأغراض أخرى. وأعرب دوما عن قناعته بأن المساعدة الحقيقية هي ما يُقدَّمُ فعلا إلى المحتاجين وليس الأفكار والمقالات التي يطرزها رجال النخبة. ودعا في أدبه إلى التفاؤل وعدم اليأس، متمثلا دائما والده «الذي لم يكن يقوى على الصعود إلى أعلى مما هو عليه». 
 
كانت الحياة الروسية في القرن التاسع عشر مليئة بالمآسي والفقر وعبيد الأرض. ولم يكن على الروائي أكثر من أن يغرف مما حوله من مظاهر الذل البشري. لكن الأدباء لم يكتفوا بفن التأليف والسرد، بل لعبوا دورا تغييريا في المجتمع القيصري والمجتمع السوفياتي على السواء، وانضووا جميعا في «مدرسة الواقعية» التي لعل مؤسسها كان غوغول، الذي لو عاش اليوم لكان أوكرانيا مثل نيكيتا خروشوف ومالينكوف وبودغورني من قادة السوفيات. 
 
إلى حد بعيد كان الأدباء هم ضمير روسيا ووجدانها. وألمع اسم في سمائها هو ديستوفسكي الذي سجن في سيبيريا بتهمة الاختلال العقلي، وهي التهمة التي وجهها العصر الشيوعي إلى سولجنتسين. لم يدَّعِ كبار هذا الجيل «الالتزام»، بل على العكس كان تشيخوف يسخر من «الثقلاء» ومقطبي الوجوه والأدعياء. وثمة صف طويل من هذا النوع دخل حياتنا في الستينات والسبعينات، لكنه عجز عن دخول عالم الأدب والعطاء. بقي خلف القناع المقطب. 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد