المسنون في الاردن بين تهميش المجتمع وغياب الدور الحكومي

mainThumb

05-12-2012 01:25 PM

 ليس بمقدور اي كاتب او باحث الخوض في هذا الموضوع دون القاء الضوء على كثير من الجوانب الانسانية فيه فنحن نعرف ان الهرم والشيخوخة هي النتيجة الحتمية لاي كائن سواء كان من الحيوان او البشر مالم يمت قبل هذا الاوان لكن الشيخوخة بحد ذاتها تتحول الى كابوس مرعب لدى شريحة عريضة من ابناء المجتمعات ممن تجاوزوا العقد السادس من اعمارهم مالم يصابوا بامراض تقعدهم قبل هذ السن وتدفع بهم او بذويهم ارسالهم الى دور الرعاية وذهاب اي مسن الى  دور رعاية الكبار في حقيقة الامر هو ابتلاء ومحنة لهذ الانسان لابل ساذهب الى ماهو ابعد من ذلك واقول انه امتهان للنفس الانسانية التي خصها الله تعالى بالتكريم والاسباب لاتحتاج الى تمحيص لان الانسان في هذا السن بالذات اشبه بالطفل الذي يحتاج الى العناية التامة ويحتاج الى المعاملة الحسنة والكلمة الطيبة والطعام المناسب والنوم الهادىء والسهر على راحته فانت عندما تنهر الطفل يزم فمه ويتهدج صوته ويبكي وبامكانك ان تسترضيه لان الطفل يعرف انه بعد هذا الاسترضاء سيحصل على مزيد من العناية والاهتمام وتحقييقشي من رغباته الكامنة في نفسه لكن تركيبة المسن تكون اعقد بكثير فالنهر له يعني ان سلطانا اقوى من سلطان نفسه اخذ يسيطر عليه وان هذا السلطان ماكان له ان يتفوه بكلمة واحدة لو ان عقارب الساعة ارتدت الى الوراء قليلا هذا اولا وثانيا ان هذا المسن وصل به الامر الى خط النهاية وعند هذا الخط بالتحديد هو لايرسم منابت الورود ولا يرسم الافنان الخلابة ولا الجنان العذراء ولا شقائق النعمان ولا يرسم جدولا عذب التسلسل موجه وخريره ولم يعد صوت الماء بالنسبة له اشبه بانامل ارتمت على شفاه الاوتار تقبلها وتداعبها كي تخرج منها حسا يوائم فضوله ويواكب شهوة العاشق المتيم في وجدانه كي يقول الشعر فيمن يحب.

 

المسن عند هذا الخط بالتحديد لايرسم بذهنه سوى مكان القبر ونصيبة القبر والتحسر على ايام تولت فيها من الخطايا مايلذع الوجدان امام اي مصطلح ولهذا السبب ردت فعل  الكبير لن تكون بكاء في اغلب الاحيان بقدر ماتكون بالشتم او بالصمت المصحوب بعواصف من التململ والتذمر والكلام المغمغم .
 
المسن يعتبر دار الرعاية احد وجوه الموت الذي يهرب منه لكنه حتما ملاقيه وبالمنطق فان دار الرعاية ليس قدرا محتوما اذا امتلكنا الحكمة فعلى سبيل المثال لاالحصر يوجد في الاردن مايقارب ال360 انسان يتوزعون على عشر دور رعاية منها واحدة بالزرقاء واخرى بالفحيص والبقية داخل العاصمة عمان  هولاء النزلاء تم ايواء الاغلبية الساحقة منهم عن طريق الاهل سواء كانوا ابناء او ابناء الابناء او الاحفاد وبطبيعة الحال اسباب الايواء ليس كما تساق اطلاقا فزوجة الابن لاتريد لهذا العم ان يتواجد داخل البيت هي تعتبره حالة نشاز وصورة قديمة يجب التخلي عنها باي شكل وهنا تضع الزوج امام خيارين اما انا او هذا الخرف الذي قد يكون ابا الزوج او امه وتاخذ الزوج في حديث مطول تحاول من خلاله ان تنسية قسوة هذا القرار وقسوة دار الرعاية فهي تبسط له الامور وتشرح له حسنات وفوائد دور الرعاية وانها مستعدة لاستقبال هذا الوالد المسكين كل جمعة  حتى اذا مااقتنع عليه هو اقناع الوالد بالفكرة التي حتما لن تكون فكرة انما صاعقة واول مايتبادر لذهنية الاب (بكج )من المفاهيم التي حفضها عن السلف من الاجداد ومنها بيت الشعر الماثور/علمته الرماية فلما اشت ساعده رماني/ومنها ابيات من الملحمة البدوية/ يطروش:
 
             يا عيال يعيال الخنا كلكم عيب       يااللي على الوالد كثيرنلغاكم
          
 
         واحفيت رجلي في سموم اللواهيب     وخليت لحم الريم يخالط عشاكم
 
        وصرت اتعكز فوق عوج المذاريب     وقصرن اخطاي يوم طالن اخطاكم
 
ومنها حدوثة الطفل البدوي الذي سمع من خلال حديث دائر بين ابيه وامه ان الاب سيرمي بجده في مكان مهجور كي تاكله الحيوانات المفترسه وفي اليوم التالي شاهد ابيه يفرش بساطا ويضع جده عليه فما كان من الطفل الا ان قطع من البساط قطعة ولما ساله الاب عن هذا التصرف قال له كي اضعك فوقها في قادم الايام عندما تصبح في مثل سن جدي وارميك.علىالارجع هذه هي الافكار التي ترافق المسن لحظة اتخاذ قرار جائر بشانه ومن جهة اخرى ربما يستعصي الزوج على الزوجة وتحصل المشاحنات فيبادر الاب المسن او الام المسنة لطرح فكرة دار الرعاية الذي يجدها الابن فرصة مناسبة للخروج من المازق لكن الجوهر يخالف ذلك وبشتى الاحوال فان ميوعة الرجال وانحطاط اخلاقهم وانقيادهم للنساء لسبب او لاخر هي اسرار كامنة وراء زج الكبار في دور الرعاية.
 
ان دور رعاية المسنين هي بمثابة مقابر جماعية لاناس احياء اناس وقع عليهم ظلم من ذوي القربى او المجتمع لكن المحزن لدينا نحن في الاردن على وجه التحديد انه لايوجد دور رعاية تديرها الدولة اطلاقا ولا يوجد لدينا مواصفات ومؤهلات تعليمية للاشخاص الذين يشرفون على المسنين مايعني ان هذه الطبقة مهمشة وانها تتلقى العناية في دور تابعة لجمعيات خيرية او من خلال دور رعاية يديرها القطاع الخاص وكما اسلفنا فان غياب القطاع الحكومي عن هذا الدور والاكتفاء بدفع مبالغ مالية رمزية  تتراوح بين 170-300 مقابل خدمة النزيل الواحد  يضع على هذه الدور اكثر من علامة استفهام عريضة  اذا ماعرفنا ان القطاع الخاص يستثمر فيها وهو مالاتطيقه النفس فمن الواجب ان تسارع الدولة لصون كرامة هذا الانسان الذي كان ذات يوم احد دافعي الضرائب واحد الاشخاص ضمن كوادرها  وعلى الدولة ان تراعي التوزيع الجغرافي في هذه الدور مع توفير الدعم المادي والمعنوي لهولاء المسنين وان تقوم الدولة بحالة تقصي للشخص الذي يحال على دور الرعاية وان لايتم قبول اي شخص الا اذا كان بالفعل لايجد من يعتني به كي لاتصبح عملية زج الكبار في هذه الدور مدخلا وذريعة لكل عاق.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد