خداع النوايا يكشفه الوعي الشعبي

mainThumb

07-12-2012 03:05 PM

 أعز أمنية على قلب المواطن العربي أن يجد في يوم من ذات الأيام أن التنافس بين السياسيين والقادة والزعماء قائم على الحفاظ على حقوقه الطبيعية في الكرامة والحرية,وبإنهم يتسابقون على الاستجابة لرغباته واحترام الحد الأدنى من إرادته والاعتراف الصريح والصادق بحرية الرأي والتعبيرفي المجتمع الذي فاز فيه السياسيون فيالانتخابات التي تم الاعتراف بصحتها على الرغم مما يعيب نزاهتها من أساليب عصية على تغطية القانون لها ,أو ترك دليل أو بقايا دليل على مخالفات معايير النزاهة وحرية الاختيارللناخب دون أي نوع من أنواع الضغوط ودون عرض الاغراءات المختلفة التي يجد البسطاء والمحتاجون أنفسهم إزاءها مساقون إليها,أو تلك الانتماءات الأيدولوجية التي تقطع على أتباعها طرق الاختيار إلا لمن تصدر بانتخابهم التعليمات التنظيمية سواء أكان المرشحون من أعضاء ذلك التنظيم أو من جهات أخرى مؤتلفة معها.

 
ليس هناك حتى اليوم دولة عربية يمكن الإشارة إليها كدولة ديمقراطية أي دولة الحرية والتعددية والديمقراطية.وقد استمرأت معظم النظم السياسية العربية (باستثناء النظام الثيوقراطي في السعودية والفردي في قطر) التباهي بممارسة الديمقراطية الشكلية,وتسمى بالديمقراطية الكاريكاتورية,ويمكن تسميها بديمقراطية الدجل السياسي,المستندة إلى إجراء الانتخابات وإطلاق بعض الحريات الصحفية,وتحديد حريات التعبيروتقييده بحجة القيم الاجتماعية وليس بطبيعة الحال القيم الديمقراطية.
 
صحيح إن الانتخابات (بأشكالها المختلفة) التي تجري بضمان حرية الاختيارللمرشح المرشحين وتتم بنزاهة لجان المراقبة والمتابعة وحياديتهم,وينتفي عنها تأثير المال الانتخابي,هي وسيلة لا بد منها لقيام المرافق الديمقراطية المتمثل بالكيان المنتخب,سواء أكان المنتخب فردا لمنصب رئاسي للدولة أو    لحزب أو لمؤسسة مدنية أو رسمية.ولكن الديمقراطية ليست كيانا مستقلا يمكن لأي دولة أن تراعي  نزاهة الانتخابات وحياديتها لتدعي إنها بذلك أصبحت دولة ديمقراطية,فالديمقراطية منظومة وسائل   وقيم مرتبطة بمنظومتي الحرية والتعددية بروابط عضوية إنْ شابها خلل أو ضعفت انتفت القيم  الديمقراطية وتبدلت صورتها الحقيقية إلى صيغتها الكرتونية الخادعة.
 
عندما تكون الخصومة بين قوى شعبية سياسية ومدنية وبين سلطة حزبية تتبنى العقائد الشمولية,    وتؤمن بأن دورها في السلطة منزه عن الأخطاء ومبارك من السماء,لا يتبقى للديمقراطية أو أيا من   مثلها أو نظمها أو أساليبها أي قيمة تذكر.وتأتي التجربة المصرية الحالية كمثال ساطع وبدلالات مرئية ومسموعة وبقرارات ندر على قدرة أمهرمتنبئ أن يتوقعها,وعزعلى عقل أي عاقل أنْ يقبلها بعد أن  حمّل الديمقراطية وزرإعلان دستوري عز مشابهه في تاريخ أعتى الدكتاتوريات وأشدها قسوة  وأكثرها نفاقا في تاريخ البشرية السحيق وحتى اللحظة,وإذا به يصدرمن رئيس (منتخب)في العقد الأول من  القرن الواحد والعشرين الذي يشهد سباقا بين أمم الأرض وشعوبها على إنجاز تحولات ديمقراطية كي تواجه ضرورات التحضر والتواؤم مع منجزات التطور.ولا تكمن المشكلة في توقع ما تطلق عليه   القوى المصرية الوطنية والمتنورة أخونة الدولة المصرية,وإنما في الأسلوب الفج والمخادع للرئيس وتياره بوعود عديدة منذ مشاركتهم المزدوجة المواقف بين الثوار وبين المجلس العسكري الذي تولى الحكم بعد تنحي مبارك,لم يقطعها رئيس إخوان مصروحده,وإنما جاءت في بيانات جماعة الإخوان المسلمين على لسان أعضاءه القياديين في الصفين الأول والثاني وتصريحاتهم العديدة,إضافة إلى ما  وعد به قادة حزب الحرية  والتنمية المنبثق عن الجماعة لا تستقيم مصداقيتها أكثرمن يوم أو يومين مستندين إلى مجموعات من التيارات الإسلامية المؤيدة لخطوات الأخونة والمتناقضة مع التوجه الحقيقي لسياسات الإخوان المسلمين التي لم يعد يثق بها أحد منهم. ويظل (الشعب) في كل ذلك مصدر الخطابة الفصيحة والادعاء بتمثيله والعمل لتحقيق مصالحه,وتحصين الأمن والاستقرار في المجتمع.!!ويذكرنا ذلك بتصريح  يستحق المحاكمة العادلة لمن أدلى به من مسؤولي تونس :: إن السلاح المستخدم ضد الشعب في تونس لا يقتل وإنما يفقد المصاب به نظره !!!:: أليس في ذلك ما يمكن أن نسميه خرفا سياسيا لثقافة أسيرة لمرجعية المصدرالوحيد؟؟.
 
من المألوف في إعداد الدساتير في العالم اعتماد أهل الخبرة والاختصاص في وضع الدستورالمقترن بمبدأ التوافق الذي يعتبرالمفصل الحساس في إنجاز مثل هذه الوثيقة التي تعتبر بمثابة العقد الاجتماعي بين فئات المجتمع ومكوناته وأفراده الذي يعكس تاريخه الثقافي وبناه الحضارية ومفاهيمه العصرية ,ويعتبرالمرجعية الرئيسة في إعداد القوانين والتشريعات التي تبنى على أسسها دولة المؤسسات  والقانون .وجوهربنود أي مرجعية دستورية يكمن في أن تستقيم مواده مع الحقوق الأساسية للمواطنين في المجتمعات التعددية ومع الحريات الطبيعية للفرد التي انفطرت عليها النفس البشرية,ومع استقلال الوطن وأمن مواطنيه,وتؤكد على فصل السلطات وعلى الاستقلال التام والصارم للقضاء... وتصوغ  ذلك بأوضح العبارات تجنبا لتحريف معانيها والانحراف عن مقاصدها.وقلما يصطدم حاكم صدق أهله  وسلك مسلك الديمقراطية الابتدائي أن يتعرض للقضاء بطريقة مباشرة,وبتحريض (الشعب) بالعداء والاتهام بالفساد,وأن يتنكر لحرية الإعلام بالحجج الأخلاقية لأن التعرض لحرية الإعلام لا تحفزه أي قيمة أخلاقية,وهو رد فعل عديمي الثقة بالنفس وبقدرتهم على اتخاذ القرار المستقل عن الغرض  المصمم مسبقا ملتزما الطاعة والولاء فيما يطلب إليه قوله أو فعله.,وإنما يكون فرض القيود على حريات   الإعلام مدفوعا بالضرورة بغايات فئوية ضيقة,وأهداف حزبية ضيقة لم تتعظ بالتجارب التاريخية النابضة بالعظات في إن معيقات الحرية هي ذاتها معيقات التقدم,وإن تحالفات المصالح الفئوية هي تحالفات معادية لطبيعة التركيبة التعددية للمجتمع بتقسيمه رأسيا,وهي تحالفات فرز لفئات المجتمع يخل بألف باء العدالة,ويطيح بمفاهيم المساواة البدائية,ويبقي على حالة الخلاف واعدام الاستقرار والأمن في المجتمع. 
 
أبغض الأمورعلى النظام الاستبدادي الاستحواذي بشمولية عقائده وانتقائيتها يمثلها وجود حقيقي واسع وعريض للمعارضة,واكتسابها الشرعية الديمقراطية ,على الرغم من إن هذا الوجود للمعارضة له أصول في جوهر الحريات الأساسية للمواطن الحرالمعبر عن رأيه بحرية,ووجود هامشي في أضيق الحدود في أدبيات العقائد الشمولية التي تريد سوق الناس خلف راياتها شاؤا ذلك أم أبوا. 
 
المعضلة الأساسية التي تواجه نظامي الحكم في كل من مصر وتونس,إن القوى الناصرية والليبرالية والوطنية والعلمانية والقومية والمستقلة بخبرتها الواسعة وعقليتها المتفتحة ووعيها النابض بالمعاصرة المتشوق للتقدم تكشف بسهولة النوايا المبيته التي تتوارى خلف عباراتها المكتوبة أو الملفوظة شفاهة أو محاضرة أو انتداء التي تتوالى على لسان الرئيس(رئيس الوزراء في تونس) وأنصاره وأتباع جماعته.وقد ظهر ذلك في مصر بوضوح في الاعتراض على طريقة إعداد وعلى بنود عديدة في الدستور( أطلق البعض عليه الدستور الملغم )صيغت بطريقة تخفي وراءها نوايا مبيته لفرض قوانين تمكن النظام من فرض عقوبات على كل أطياف المعارضة وأفكارها وتمهد  لعملية سحب الجنسية من المخالفين والمغضوب من النظام عليهم,وبخاصة منهم المقيمين خارج مصر,  والتمهيد لإعادة ((( صياغة المجتمع أخلاقيا ))),وفتح المجال أمام تأسيس جمعيات مراقبة السلوك العام,وفرض امتثال الأعمال الفنية في الرسم والتمثيل والغناء وتأليف القصص ورواية الروايات التي رفعت من سمعة مصر وشهرتها في العالم, للقيم والأخلاق كما يراها رجل دين ويقوم بتفسيرها على هواه وضمن حدود معارفه المقيدة,وليس كما تراها مرجعيات علوم الأخلاق وعلوم النفس وعلوم السلوك وعلوم الفنون ونظرياته التوعوية التي أصبحت في عالم اليوم من العلوم الأساسية في توجيه حركة التغيير ومسار التقدم توجيها عقليا بإنارة الوعي بنتائج دراساتها واختباراتها العملية والعلمية.
 
تسلم الحكم وفرض النظام السياسي لا يصنع للعقائد صلاحها ومصداقية طروحاتها,وإنما يقتصر على كونه المحك الرصين لوعي العقائد لضروروات العصرنة والاختبار العملي لنهج العقائديين وقدرتهم  على تطويع مفاهيم نظرياتهم كي تتواءم وحتمية التغييرالذي تتجاوب مع منطلقاته الإرادات الشعبية في المجتمع المنفتح ثقافيا وعلميا وسياسيا على تيارات داخلية وعالمية.وليس أدل على حكمة السياسي أو الرئيس من أحتمائه بالشعب لا بالحزب كي يصبح رئيسا كاريزمي الشخصية مبتكر الإنجاز عظيم الأهمية التاريخية.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد