صحيح أن جماعة الإخوان المسلمين في الأردن ،إتخذوا شعار جمعتهم الماضية في وسط البلد بعمّان "كفى عبثا"،وهو محدد التخاطب وموجه لجهة واحدة وهي الدولة،لكنني أستميح الجميع عذرا،بإستعارة هذا الشعار ،لأخاطب الجميع في الأردن ،صانع قرار ، ومسؤول ، وحزبي، ومواطن،ولا أبغي من وراء ذلك سوى رضا الله ورسوله،فالمستشار مؤتمن ،مع أن أحدا لا يستشيرني .
أقول للجميع وأنا متحرر من كل الضغوط ،بعد أن أوعزت الجهات المعنية بوقفي عن العمل كإعلامي ،إستجابة لمركز الضغط اليهودي في واشنطن " ميمري" لأنني كتبت مقالا بعنوان "إسرائيل والسلام لا يتفقان"!!؟؟؟ أقول للجميع ..كفى عبثا بمصالح الوطن وأمنه،وعلى المعنيين أن يعوا جيدا أن إسرائيل وأمريكا لا تحميان حليفا أو صديقا وظفتاه في مرحلة ما.
نظمت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن مسيرة في وسط البلد بعد صلاة ظهر الجمعة ،وظهرت ثلة من شبابها يحملون الأعلام الأردنية ،ويضعون على رؤوسهم الكوفية الحمراء رمز الأردنة، في هذا الزمن الأغبر،ووجدنا إعلاما منحازا ضد الوطن ،ومصرا على تحقيق مصالحه حتى ولو كان ذلك على حساب الوطن والمواطن ، يزيدون النار إشتعالا ،ناسين أو متناسين أن الإعلامي الحر هو إعلامي وطن وليس إعلام دولة،وفي اللحظة التي يكون فيها الإعلامي ،إعلامي وطن ، يصبح بالضرورة إعلامي دولة، لكن الدولة التي أتحدث عنها ، تكون دولة كل مواطنيها ،وليست دولة ريعية لثلة من البلطجية، بغض النظر عن السلاح الذي يحملونه ،ولا شك أن التركيز على عسكرة المسيرة إنما هو صب للزيت على النار.
جمعة اليوم في وسط عمّان هي إمتداد لجمعة إربد ،التي تعرض فيها الإخوان إلى الضرب المبرح ،في مخالفة صريحة لأسس الصراع وتوقيت الأحداث، والإستجابة لتداعياتها من أجل تخفيف الخسائر قدر الإمكان.
تبريد الأوضاع سهل جدا ،وقيل في التراث على لسان الخليفة هارون الرشيد لصاحب خراسان،عندما شكا له سوء تصرف المواطنين :داو جرحك لا يتسع!كما رد الخليفة أبو جعفر المنصور على والي مصر عندما شكا له نقصان النيل:طهر عسكرك من الفساد ،يعطك النيل القياد!!!
شعار الحراك الأردني هو المطالبة بالإصلاح ومحاربة الفساد ،فما الذي يمنع الدولة في الأردن من الإستجابة لهذه المطالب؟وهي مطالب حق بالتأكيد؟ويجب أن تبادر الدولة اليوم قبل الغد إلى تغيير قانون الإنتخاب والأحزاب،وإخراج مجلس نيابي قوي حر،وحكومة قوية يعرف طاقمها ما هو مطلوب منهم ،وأن ينشغلوا بالتفكير في مصالح الوطن والمواطن،وأن تنتقل الدولة من وظيفة خدمة الخارج ،إلى خدمة الداخل ،فنحن أولى،و لسنا بحاجة لأحد ،ونستطيع لو أدرنا شؤوننا وثرواتنا بالطريقة السليمة أن نستغني عن المساعدات الأمريكية التي لا تقاس بما نقدمه لها من خدمات ،وعلى من يختلف معي في هذا الصدد أن يراجع ملف المساعدات الأمريكية إلى إسرائيل.
الحكمة في هذه المرحلة مغاربية،وأعني أن الدولة المغربية عملت على نزع فتيل الصراع،وأقدمت على شراكة مع الحركة الإسلامية فيها، وشكل بن كيران حكومة ما تزال تعمل ،وإن حذرت أمريكا من تداعيات الوضع في المغرب.
السؤال هنا : لماذا لم يتم إعلان شراكة وطنية مع الحركة الإسلامية في الأردن،وإعطائهم الفرصة كي يحكموا ،فإن نجحوا ونقلوا حياة المواطن إلى مرحلة متقدمة ،فاهلا بهم ،وإن فشلوا فالأمر يكون واضحا ،إذ سيغادرون المشهد السياسي بدون تكلفة دموية على الوطن؟ .
مطلوب من الدولة الأردنية إلغاء معاهدة وادي عربة فورا ،ووقف غول الغلاء ،والبدء بالإصلاح الصحيح،ومحاربة الفساد والفاسدين ،ووقف وإلغاء الخصخصة بحالتها الحالية،وأن يكون العدل أساس الملك،ألم نقرأ مقولة مبعوث فارس للخليفة الفاروق : عدلت فأمنت فنمت.
خطابي للدولة الأردنية : حذار من التمادي في قراءة الأوضاع بطريقة مقلوبة،ويجب أن لا تركنوا إلى الإنتهازيين الذين يتشدقون بحب الوطن ،وهم يرونه على مقاس جيوبهم!!!فالإعلامي الإنتهازي هو عدو الوطن الأول.
أما خطابي للجميع فهو حذار حذار من الإتصال بالأجنبي بغض النظر عن هويته ،فنحن في مرحلة حساسة لا تتحمل أي درجة من درجات العبث.
مطلوب من حكماء هذا الوطن، أن يسارعوا إلى عقد مؤتمر حوار وطني قبل الحسم في سوريا ،لأننا سنكون محطة الإشتعال الثانية بعد سوريا ،وعلينا أن لا نستثير غضب الآخرين من أشقائنا هكذا وبدون سبب وجيه،فالكل سيشرب من هذا الكأس ،إن لم يكن اليوم فغدا.
هناك من يقول أن فضائيات عربية تؤجج الصراع في الأردن،وأرد :أليس مراسلو هذه الفضائيات أردنيين؟وكذلك ألا يوجد فضائيات أردنية تتسابق على صب الزيت على النار ،لتأجيج الصراع الداخلي والتربع على كرسي الموالاة؟من خلال هجومها العنيف وغير المبرر على جماعة الإخوان وشيطنتهم ،إلى درجة أنهم يبثون أغان عن الإخوان تصفهم بأنهم صناع الفتن وعليهم الرحيل!! محزن هذا الأمر وما يحزن اكثر ،أن الريعية ما تزال قائمة.
ما يتوجب علينا فعله جميعا ولا استثني أحدا ،أن نعمل على إجراء مصالحة أردنية داخلية ،وأردنية عربية ،وتنقية الأجواء وسد كافة الثغرات التي يدخل منها الطفيليون إلى الساحة الأردنية،وعلينا داخليا العمل الجاد والصادق على تمتين الجبهة الداخلية وصهر كافة مكونات المجتمع الأردني في بوتقة الوطن،كما يتوجب علينا مراجعة العقد الإجتماعي بين الشعب والدولة ،والتراجع الفوري عن تصنيف المواطنين حسب درجات الولاء،لأن الولاء الصادق هو للثابت الوطن،وعلينا أن نجعل من الأردن وطنا جاذبا وجامعا لأبنائه لا طاردا ومنفرا لهم.
الآن وفي هذه المرحلة بالذات يجب تكثيف الأسئلة :ما الذي أوصل الأردن إلى ما هو عليه؟لماذا تزداد المديونية؟من الذي باع ممتلكات الدولة وأين الثمن؟ومن هو الشريك الإستراتيجي؟وما الذي أجبر الإخوان على الإنتقال لهذا الموقف؟ولماذا إقتصر دور الجيش العربي المصطفوي إلى المهام الخارجية ،والقدس يتم تهويدها والأقصى قيد الإنهيار؟ .
عموما أحسن صانع القرار الأمني خلال مسيرة الحسيني، بعدم عسكرة رجال الأمن والدرك ،رغم أن الوجود الأمني ،كان أكبر من اللازم،وأن الوجوه كانت تنذر بالشرر،وكان يجب أن يكون الوضع بنفس الصورة في إربد ،لأننا نعيش تداعيات القرار الأمني الخاطيء يوم الجمعة الماضي.