الدم السوري على مائدة جنيف 2

mainThumb

12-05-2013 12:23 PM

المؤتمر الدولي المنوي إقامته لأجل الملف السوري خلال الأسابيع القادمة وهو ما بات يُعرف بـِ (جنيف - 2), يعكس التوافق المبدئي وفي حدوده الدنيا بين أمريكا وروسيا والتقائهما على عنوان الجماعات الإسلامية المتشددة ومنع وصولها للسلطة ومحاربتها.

فالظروف التي أحدثت هذا التقارب الروسي-الأمريكي متعددة وهي ناتجة عن تطورات ميدانية من خلال أطراف إقليمية، فإذا ما استمر تأثيرها سيؤدي إلى فقدان القطبين قدرتهما على توظيفها وبالتالي تأثر مصالحهما في المنطقة وإضعاف سيطرتهما أو التأثير على معطيات الملف السوري وعلى المنطقة في المستقبل، خاصة أن جميع تدابير وأفعال ومواقف القطبين خلال الفترة الماضية عززت لدى الجميع بأن الحل لا يكون إلا دوليا مرتبطا برؤيتهم وتوافقهم لاعتقادهم من قدرتهم على الحسم وإبقاء هذه الأطراف الإقليمية مجرد أوراق ضغط يسيطرون على قرارها وأفعالها، في حين أن استمرارية تطور الأحداث الميدانية في ساحة الصراع السوري وعدم التوصل إلى حل توافق سيؤدي إلى تحول الأطراف الإقليمية إلى أصحاب القرار في الملف السوري ويصبح القطب الدولي متلقيا وباحثا عن كيفية التكيف مع سلوك هذه الأطراف الإقليمية وبالتالي قيامه بأدوار وظيفية تتماشى ومصالح هذه الأطراف، بعد أن كان هو صاحب القرار والتوظيف.

ما حدث أن القطبين أدركا هذه الحالة، فكان التوافق المفاجئ بينهما من ضرورة إيجاد حل دولي هم قادته وأصحاب القرار فيه قبل أن تخرج معطيات معادلة الصراع في الملف السوري عن السيطرة. ولكن ما هي المعطيات التي أدت إلى وجوب هذا التوافق وإن كان في حدوده الدنيا والهشة؟!! وما هي الأطراف الإقليمية التي تسببت في هذا التوافق ؟!! ، القطبان يعنيهما من إنهاء الملف السوري الحفاظ على الحدّ الأدنى من مصالحهما وتأثيرهما في المنطقة، فأمريكا تريد الحفاظ على قيادتها القطبية للعالم بإدارتها لبعض الملفات بما يتوافق ومصالحها، بينما روسيا تريد أن تكون شريكاً قطبياً أو عودتها إلى القطبية في إدارة العالم وتحقيق مصالحها أيضاً، فهل ستكون جنيف - 2 موعدا بين الروس والأمريكان لإبرام الصفقات والمقايضة على حساب الأطراف الإقليمية والدم السوري؟!! أم أن السيناريو القادم سينحصر بالحفاظ على المشهد السياسي السوري مع احتواء بعض أطراف المعارضة وبأُطر محددة حفاظاً على بعض التوازنات القائمة؟!! أم هي صفقة الإجهاز على الربيع العربي ومشروعيته من خلال تشويهه وصبغه بلون الدم وإلصاق المؤامرة والإرهاب به وفي مقدمته الإرهاب الفكري؟!!.

الأطراف الإقليمية المؤثرة بشكل مباشر وقابلة للخروج عن سيطرة الأقطاب ثلاثة أطراف تحالفيه تقودها ثلاثة دول هي إيران وتركيا وإسرائيل، فإيران هي أكثر الأطراف تضرراً من إنهاء الصراع في سورية من خلال توافق أمريكي روسي يؤدي إلى إحداث تغيير في بنية النظام السوري وخاصة إبعاد الأسد ومنظومته عن المشهد السياسي وبالتالي سيُفقدها القدرة على المناورة مع الأطراف الدولية حول الكثير من القضايا في مقدمتها الملف النووي والجُزُر الإماراتية إضافة إلى أمن مصادر الطاقة والملاحة في الخليج العربي والتكلفة العالية على الجانب الأمريكي والغربي، أمّا الجانب التركي فإنه يمثل الإسلام السياسي المعتدل والمتمثل بالإخوان المسلمين وارتباطات اقتصادية مع بعض الأطراف مثل قطر والسيطرة على مشهد اقتصادي كبير وفي مقدمته الغاز سواء القطري أو الحقول الغازية في سواحل المتوسط الشرقية مما يتيح لها المجال في الضغط على الجانب الأوروبي ودخولها في منظومة الاتحاد الأوروبي لتبدأ انطلاقة اقتصادية عالمية جديدة تكون تركيا فيها طرفاً أساسياً.

أمّا إسرائيل وهي الطرف الأكثر تأثيراً في حدوث التقارب الأمريكي الروسي وذلك من خلال الغارات التي شنّتها على سورية والمتمثلة بنوعيتها وأهدافها لتكون رسالة إسرائيلية واضحة للقطبين بأن القرار بدأ بالتسرب من أيديكم والأهم أن مستقبل سورية لا يمكن أن يكون إلا ضمن معادلة الأمن الإسرائيلي واستمرارية التفوق العسكري الدائم ولذلك فإن سورية القادمة ونظامها الجديد عليه أن يخوض المعركة ضد الجماعات الإسلامية المتشددة وضمان عدم وصولها إلى دوائر التأثير وقبول سورية الجديدة من الدخول في عملية التسوية مع إسرائيل ضمن رؤيتها والتي تقودها وتدعمها أمريكا مع وجوب المحافظة على التفوق العسكري للجانب الإسرائيلي.

جنيف- 2 وفي ظل احتمالية سيناريوهات توافقية بين أمريكا وروسيا ستبقى هناك مجموعة من الأسئلة العالقة تبحث عن إجابات مرتبطة بمدى توافق أطراف الصراع السوري سواء النظام أو المعارضة بتياراتها المختلفة وتناقضاتها وخلافاتها وارتباطاتها الإقليمية والدولية، ونلاحظ أن الحديث يتركز حول بقاء الأسد كطرف في الحل أو رحيله كجزء من الحل ويبقى السؤال الأصعب، أين ستكون إيران في المستقبل السوري وهي الطرف الإقليمي الأكثر تأثيراً ؟!! وهل ستقبل إيران أن تكون خارج النتائج ؟!! أم أنها ستستخدم الملف السوري لتحقيق مكاسب متقدمة في ملفّها النووي ؟!! أم أنها تعي ذلك المستقبل وتخوض معركة وجود ومصير وسيطرة إقليمية وأدوار حقيقية؟!! ، ما يجمع الإيرانيين مع الروس الكثير من المصالح التي تتطلب منهما التمسك ببقاء الأسد في مشهد ما بعد جنيف-2 وإفشال وصول الإسلاميين السنة(الإخوان المسلمين) إلى السلطة وهي المرتبطة عضوياً مع الجانب التركي والأمريكي، أمّا محاربة الجماعات المتشددة فهي التوافق الوحيد مع كافة الأطراف الدولية والإقليمية، فهل تقبل إيران بخروجها من مشهد ما بعد جنيف-2 ؟!! وهل تقبل روسيا أيضاً التنازل عن إيران ودورها في سبيل إنجاح توافق مع أمريكا؟!!

ما بعد جنيف-2 سيكون صاخباً ومضطرباً وعنيفاً في ظل مؤشرات تمسك الأطراف جميعها وفي مقدمتهما أمريكا وروسيا بموقفهما من مصالحهما وتأثيرهما في المنطقة حيث يتمثل ذلك من جانب روسيا بالمحافظة على وجود إيران في مستقبل سورية أما أمريكا فيتمثل في حفظ أمن إسرائيل وذلك بإحداث تطور نوعي في عملية التسوية تكون سورية المستقبل طرفاً فيه.

القطبان يعلمان أن مصير جنيف-2 هو الفشل وسيضع كل جانب اللوم على الآخر. فكل منهما زج بأوراق ضاغطة ومؤثرة في الصراع القائم مما لن يتيح خروج أي طرف من المعادلة دون وجود حقيقي، مما يفتح المجال أمام الكثير من التساؤلات والكثير من التكهنات حول سيناريوهات قادمة لما بعد حنيف-2، أعتقد بأنها ستزيد من تفاقم الصراع الذي قد يؤدي إلى حدوث ما هو أخطر على مستقبل سورية والعرب، بتقسيم سورية طائفياً لتحقيق كل طرف لمصالحه وذلك على حساب الشعب السوري ودمه النازف ومستقبله بدولة متماسكة متوحدة وديمقراطية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد