ما هي الثورة حقا ؟

mainThumb

02-06-2013 12:29 PM

 كل تفوق نراه حولنا اليوم صنعه العلم. لولا القطار لما احتل الرجل الأبيض أفريقيا. ولولا الأدوية لما استطاع البقاء على الرغم من البرص والجدري والملاريا. الذي غير في الحياة البشرية كان الثورات الصناعية والعلمية، وليس الثورات السياسية التي قامت على القتل الجماعي والعنف والإبادات. الثورة الصناعية التي بدأت في بريطانيا هي التي غيرت وجه أوروبا، وليست الثورة الفرنسية. أهم مساهمات فرنسا في «تمدين» العالم المتأخر لم تكن «جزمة» نابليون ولا حروبه، بل الاختراعات الطبية التي قضت على بعض الأوبئة وحصرت البعض الآخر ومنحت الأفارقة (وطبعا البيض) حياة أفضل خالية تقريبا من السقوط الدائم في الوهن والأمراض الغامضة.

 
عندما تقرأ التاريخ العربي في أوروبا تلحظ قاسما واحدا عند المؤرخين الغربيين. جميعهم يقول إن اللغة العربية كانت لغة المعارف والعلوم. «الثورة» الزراعية التي نشرها العرب في أوروبا غيرت وجه القارة بعد زمن طويل. وهؤلاء القادمون من الصحراء علموا القارة أمرين: نظام الري الحديث، وتقسيم الأراضي إلى ملكيات صغيرة لتسهيل إدارتها وتسويق نتاجها.
 
الآن تخاف الصين وروسيا من الثورات العربية، لأنها تنشر ثقافة القتل، بأسوأ من الأنظمة التي تثور عليها. ومحل دعوات الحرية والخلاص من عقود الاستبداد حلت الهمجيات. وبعدما كان محمد بوعزيزي رمزا للربيع الذي قام من رماده، صارت تونس مصدر «جهاد المناكحة». ونتحدث جميعا عن هرب زين العابدين بن علي، متجاهلين حقيقة مؤلمة وهي أن عشرات الآلاف، والبعض يقول مئاتها، فروا من تونس إلى الخارج، لاجئين غير معلنين. لم ينتفضوا على الاستبداد لاستبدال الاستبداد الأسوأ به.
 
ما لا يكون في خدمة البشر والإنسانية والعدل والتقدم لا يكون ثورة ولا تغييرا. المشانق ليست ثورة، بل أنظمة الضمان الاجتماعي. وقصائد ماو ليست ثورة، بل التقدم الأسطوري الذي تمكنت الصين من تحقيقه منذ ذهابه. لقد استبدلنا بثورات مزعومة، كثورة الفاتح، ثورات فوضوية تمنع قيام الدولة والقانون. وتحولت ثورة «25 يناير» إلى معرض متنقل للخيبات والفشل والصراعات والحرائق. لقد قيل في سقوط مبارك إنه نهاية الفرعون، لكن الفرعون، كما يقول البعض في الشارع المصري، ظهر في ثياب أخرى ولغة أخرى. الثورة الحقيقية تكون في بسط منجزات العلم لا السحر.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد