إيران النووية تجبر أمريكا على الإنحناء

mainThumb

01-10-2013 03:21 PM

منطق الأشياء ونواميس الطبيعة تتجلى في هذه المعادلة،فبعد تموجات متصاعدة من الرفض والإدانة والتهديد لإيران أن تكف عن مواصلة برنامجها النووي السلمي ،وتمترس إيران خلف موقفها المصمم على المعرفة النووية والحصول عليها لإستخدامها في المجالات السلمية،أدركت أمريكا القوة الأعظم في العالم، أنها ليس أمام دولة عربية متهالكة تمتثل لأوامر موظف صغير في الخارجية الأمريكية ،بل هي أمام إمبراطورية شئنا أم أبينا وضعت بصمتها على الخارطة السياسية العالمية ودخلت النادي النووي عنوة.

كنت أتمنى لو أنني أتحدث عن دولة عربية وقفت في وجه أمريكا وإستغلت طاقاتها ونظمت قدراتها ومارست التحدي كما يجب أن يكون ،كي أفخر بها وأقول لمن ألتقي بهم من الأجانب أننا كعرب نستطيع وضع بصمتنا الإيجابية ونمارس دورنا الإنساني كأصحاب رسالة ،لكنني مع الأسف أرى عربانا متناحرين ،رهنوا قدراتهم للأجنبي الذي يعيث فيهم فسادا بعد فساد وهم لاهون وربما فرحون.

لم تأت أمريكا إيران بعد إستعراض مستمر للضعف الإيراني وتوسلات تتبعها توسلات بأن أحسوا بالرضا عنا وخذوا منا ما تشاؤون،بل جاءت أمريكا إلى إيران القوية بوحدتها أولا ،وبثبات موقفها وتصميمها على أن يكون لها مساحة بين الأمم وقد أنجزت النووي وأصبحت عضوا في النادي النووي ،بينما نحن العرب العاربة والمستعربة على حد سواء منشدهون بما نرى ونسمع وكأننا حتى يومنا هذا لا ناقة لنا ولا جمل حتى في القضايا التي تمسنا في الصميم.

أحسنت امريكا صنعا بأنها  جاءت لإيران مصالحة ،ولم تنجر للضغوط الإسرائيلية التي زين لها الإسرائيليون وكبيرهم نتنياهو لضرب إيران ، بحجة التخلص من مشروعها النووي مع ان الهدف الحقيقي كان هو توريط أمريكا في حرب ثالثة ستكون حاسمة وقاضية هذه المرة لأنها  مع "الفرس"وليست مع العرب.

كما أحسنت إيران أيضا لأنها لم تتهاون بحقها في الحصول على النووي وبغض النظر عن طبيعة إستخدامه فكلمات الإنشاء هنا لا تجدي نفعا،فقد مارست إيران حقها رغم الضغوط التي وصلت شن حرب عليها لكن العالم يحترم القوي ويخاف منه ،وهذا دليل ناصع الشفافية على أسباب عدم إحترام العالم لنا كعرب أو الشعور بالخوف منا،لأننا لا دخل لنا حتى بمصائرنا ، وكأن الله فعلا سخرنا لنكون في خدمة الآخر العدو الذي يمارس فينا ما يشاء من تنكيل ونهب للثروات وتوظيف للأدوار.

حتى لا نكون عرضة للنسائم نروح معها ونغدو،لا بد من تحذير إيران من هذا الإنحناء الأمريكي وعلى صانع القرار الإيراني أن يعمل وفق خطتنين :الأولى التجاوب مع العرض الأمريكي ومواصلة الحوار معه وفق الثوابت الإسلامية لا الإيرانية البحتة ،والثانية :مواصلة التجهيز والإعداد للمواجهة وكأنها ستحدث غدا،وإشعار الآخر بذلك حتى لا تسول له نفسه اللعب بالنار.

ما يتوجب علينا  مناقشته ببعض التوسع هنا هو السعار الإسرائيلي الذي إنتاب صناع القرار الإسرائيليين وفي مقدمتهم نتنياهو بطبيعة الحال الذي فشل في الضغط على الإدارات الأمريكية المتعاقبة ،وإجبارها على شن عدوان على إيران كما فعل بوش الصغير في العراق،ولا بد من التنويه ان بوش الصغير الذي غزا العراق وإحتله رفض الإنصياع للضغوط الإسرائيلية القاضية بشن عدوان آخر على إيران ،لأن حساباته في إيران ،إختلفت عن حساباته في العراق،وأجزم انه كان حكيما في هذه الحسبة.

لم يشعر نتنياهو بالوهن ولا بالضعف أمام الرئيس الأمريكي في هذا الموضوع،وقد وظف كل الرزالات المعروفة وغير المعروفة،إذ قرر السفر بنفسه إلى نيويورك حيث إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة للدفاع عن إسرائيل والتحشيد ضد إيران وربما التهويش ضد أوباما نفسه،وما الإعلان عن إلقاء القبض على مواطن بلجيكي من اصل إيراني بتهمة التجسس لحساب إيران ،والتشدق بأن السلطات الإسرائيلية عثرت معه على صور للسفارة الأمريكية في تل أبيب ،إنما هو جزء من هذه الرزالات التي تشيطن إيران وتثير الرأي العام الأمريكي ضدها ،ولا شك أن أوباما يحسب ألف حساب لمثل هذه الرزالات ،وأغلب ظني أن تصريحاته بإمكانية ضرب إيران ،إنما جاءت في هذا السياق.

الآن نحن أمام  واقع جديد  يعنينا نحن العرب وعلينا ان نلعب جيدا وبطريقة محسوبة ،فها هي أمريكا السيدة الأولى في العالم تنحني أمام السيد الإيراني النووي ،فماذا نحن فاعلين؟هل يجب علينا ان نبقى مدثرين بنظرية التابع والمتبوع ونجني الخسارات المتتالية ،ونلحق أمريكا وإسرائيل لتحقيق مصالحهما ،أم ان علينا إنتهاج نهج مستقل يحقق مصالحنا ويمكننا من نسج علاقاتنا مع الآخر وفق ما هو لصالحنا؟

نحن في الأردن نعاني فقرا مدقعا لعدم قدرتنا على الإستفادة من ثرواتنا وما أكثرها ،وهناك عروض إيرانية  يجب علينا الإستفادة منها مع إيصال رسالة شفافة لإيران بألا تتدخل في أمورنا الداخلية ،مع أن ذلك يتطلب أولا تحصين جبهتنا الداخلية حتى لا ينفذ إلينا منها لا الأمريكي ولا الإسرائيلي ولاغيرهما ،عندها سنكون حليفا قويا لمن  يعرض علينا التحالف النظيف.

عربيا علينا الإقتناع الكامل أننا لا نستطيع  تجاوز التاريخ ولا الجغرافيا، فإيران جارتنا وهي دولة مسلمة ويجب ألا تقف المذهبية حجر عثرة أمامنا لتطوير علاقاتنا معها وفق المصالح المشتركة والإحترام المتبادل ،فالكون لم يعد دولا متفرقة أو أجواء منفصلة ،فنحن نعيش عصر العولمة،وعلينا تنظيم ورش عمل ترتقي إلى العصف الذهني من أجل وضع النقاط على الحروف ونسج علاقات ناصعة المصالح.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد