السيسي فرعون مصر لا عزيزها

mainThumb

04-10-2013 12:19 PM

فرعون مصر، كما قرأنا في كتب التاريخ ،كان ديكتاتوريا ،لاغيا لكرامة الشعب المصري آنذاك، مكمما لأفواههه، مستغلا لقدراته،وعندما سألوه :من فرعنك، أي جعلك تتفرعن؟ أجاب: لم أجد أحدا يردني عن فرعنتي ،أي يمنعني من الفر عنة.


أما عزيز مصر، فكان رجلا حكيما عاقلا رزينا  حصيفا ،صدره واسع وأفقه رحب ،وقلبه على شعبه آنذاك، بدليل أنه عندما رأى في منامه أن  سبع بقرات سمان ،  تأكلهن سبع عجاف ، وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات، جمع   علماءه وجلساءه  ممن رأى أنه قادر على تفسير حلمه  وهو مكتئب خائف على مصير ومستقبل مصر وشعبها،أو على الأقل يستطيع تقديم المشورة والنصح له، وأخبرهم بكل الشفافية والحكمة والصراحة المعهودات بما رأى ،وهم بدورهم كانوا شفافين معه، ولم ينافقوه أو يغشوه بنصيحة في غير محلها ،وقالوا له أنها اضغاث أحلام و ما هم بتفسير الحلم بعالمين،إلا أن شابا كان قد خرج من السجن مؤخرا  وكان ساقي العزيز،وكان بصحبة يوسف عليه السلام في ذلك السجن ،وقد طلب منه أن يذكره عند ربه ،بعد أن فسر له رؤيته الطيبة  وأخبره انه سيسقي ربه "العزيز"خمرا،وقال ذلك الشاب أن السجين يوسف هو الوحيد القادر على تفسير تلك الرؤيا ،طالبا تكليفه بزيارته في السجن  مع عدد من أفراد الشرطة ،لإحضاره إلى العزيز كي يفسر له الرؤيا، والقصة معروفة ،وما أردت قوله هو أن شفافية العزيز كانت مسخّرة لمصلحة شعبه ،لأنه أمين على مصالح شعبه عكس الفرعون .


وحتى لا تذهب بالبعض الظنون، فإنني هنا لا أدافع عن جماعة الإخوان المسلمين، لأنهم قادرون على ذلك بأنفسهم ،وإنما أردت أن أحدد مكانة الجنرال عبد الفتاح السيسي  في المشهد ،وهو الذي رفض أن يكون رئيس وزراء في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي ،لأنه كان يبيت أمرا بالإنقلاب عليه وهكذا فعل  في اليوم التالي للطلب منه أن يتولى رئاسة الوزراء ،فالرجل طموح ومعد سلفا  ،لكن ليس لمنصب رئيس وزراء  ،بل لمنصب رئيس الدولة كي يتفرعن كما يشاء.
ما أدخل الريبة في نفسي هو علاقة السيسي بإسرائيل ،لأن هذا هو المهم في المشهد ،وليس الإنقلاب فقط ،لأننا تعودنا على الإنقلابات العسكرية  والبلاغ الأول ل"تحرير "فلسطين،والغريب في الأمر أنه صرح ذات يوم بعد الإنقلاب أنه لم يستشر أحدا ولم يبلغ أحدا بتوقيت الإنقلاب ،لكن إسرائيل اعلنت على لسان متحدث بإسم الحكومة أن الجنرال السيسي أبلغ إسرائيل بموعد الإنقلاب قبل يوم من تنفيذه ،فماذا يعني ذلك؟


الأكثر فضائحية من ذلك ،جاء على لسان رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو الذي وجه وزراءه وسفراءه كي يبرروا للمجتمع الدولي دعم إسرائيل للجنرال السيسي،وهذه بحد ذاتها قصة تروى على مدى ألف فضيحة وفضيحة ،أولها عندما أخذه أحدهم وهو طفل صغير ليصافح الزعيم الخالد جمال عبد الناصر،وليس آخرها  نشر الصورة إعلاميا بعد الإنقلاب ،وتسويق السيسي على أنه ناصري التوجه..يا للهول ،إن تلك الصورة حسب علم المنطق كانت بداية لتلميع السيسي في مثل هذا اليوم، وهذا ما نقوله أن " الربيع" العربي لم يسق بماء عربية .


 يجوز له كوزير دفاع أن يتحرك في حال تدهور أوضاع البلاد إلى ما لا يحمد عقباه ،وتكون فترة إقامة جيشه في الشوراع محدودة ،حيث يتم تعديل المسار بتسليم مقاليد الأمور لثلة من الحكماء ،ثم يعود الجيش إلى ثكناته على الحدود حتى لا يترآى للعدو أن  ساعة الغفلة قد إستمرت دهرا ،لكننا نرى السيسي وجيشه وقد إستوطنوا في الشارع المصري ،وأن هناك من يجهز قصر الرئاسة للفرعون الجديد  ،وهو الجنرال السيسي الذي خان الأمانة وإنقلب على من وثق به ، وسلمه وزارة الدفاع، وكال له المديح المعتق ،من خلال تثمين دور الجيش من قبل الرئيس المعزول مرسي، الذي وصف الجيش المصري بالذهب وطال بوجوب المحافظة عليه.


عتبي الأكبر وصدمتي الهائلة ليسا من تصرف السيسي ،فهو يسير وفق خطة رسمها له من أخذه ليلتقط صورة تذكارية وهو طفل صغير مع الزعيم الخالد عبد الناصر، بل أنا عاتب ومصدوم من أبناء وبنات الزعيم الخالد جمال عبد الناصر الذين شاركوا في اللعبة دون أن يعلموا جيدا خيوطها ،وقدرة النساج على إتقان ما هو مطلوب منه.


لقد أسدوا خدمة جليلة للجنرال السيسي بأن ألبسوه عباءة أبيهم، وأسبغوا عليه ألقابا منها أنه يسير على خطى الزعيم الخالد جمال عبد الناصر ،وهو منه براء إلى يوم الدين،حتى لو تقاطع معه في موقفه من الإخوان المسلمين.
عتبي الآخر على من كنا نعتبره قوميا ناصريا وهو عمرو موسى الذي طلب الأمريكان والإسرائيليون من المخلوع مبارك إزاحته عن الخارجية المصرية ،وقد فعل وأرسله إلى الإستيداع في الجامعة العربية تحت مسمى أمينها العام، هذا الرجل الذي أصبح ناطقا بإسم السيسي ومروجا له ومسوقا  لفكرة أن يصبح رئيسا لمصر.


الأمور تناطح بعضها في الغرائبية ،لأن القصة ومن أول حرف فيها حتى آخر نقطة، تعج بالغرابة ،لكنني أعترف أن من نسج  الخيط أتقن صنعته وأخرج المسرحية ، وفق تسلسل منطقي وفقا لفهم العقول الساذجة ،أما من فتح  الله عليهم بالمنطق فلم تنطل عليهم هذه اللعبة، التي صورت السيسي على أنه الرجل المناسب لمصر، والذي جاء في الوقت المناسب.


لا أكشف سرا أن أول من فضح  السيسي هو الإعلامي توفيق عكاشة الذي  فضح طابق السيسي بعد أن إختلف معه ونقض إتفاقه معه بأن يعينه نائبا له عندما يصبح رئيسا لمصر.


لقد نفذ السيسي كافة الخطوات المطلوبة منه وهي أولا :إدامة الصراع الداخلي في مصر وهذا ما يتقاطع مع دور الموساد الإسرائيلي الناشط في مصر هذه الأيام ،بإعتراف كبار مسؤوليه، وثانيا السيطرة على المشهد الإعلامي كي يجد من ينفخ له في الكير ويلمعه ويشيطن الآخر كما نرى هذه الأيام، أما ثالثا :فتجنيد  حراكات  مقابل دعم مادي للدعوة إلى ترشيح السيسي رئيسا للبلاد، وآخر دعواهم أنه سيتم تسليمه سدة الرئاسة بدون إنتخابات ،ولعلي لست مخطئا ،فستكون الخطوة الجهنمية اللاحقة :إلى الأبد ..السيسي رئيسي .


لو كان قلب السيسي على المحروسة مصر ،لغادر الساحة فورا ،ناصحا جيشه أن يغادر الشوارع ولا يتورط في دم المصريين ،لأن مهمته هي سفك دم الأعداء.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد