مشروع كيري نتيجة حتمية للحُكم المطلق

mainThumb

02-02-2014 09:01 PM

التسريبات التي خرجت للتحذير مما يسمى "مشروع كيري" والتي تطرّقت إلى الحلول الأمنية والحدود إضافة إلى التوطين والتعويض وإسقاط حق العودة في ظل تسوية قادمة بين السلطة الفلسطينية والإسرائيليين خلقت زوبعة أسست لإنقسام مجتمعي واحتقانات كبيرة باتت تشكل قنبلة موقوتة جاهزة للإنفجار وكبسولتها يمتلكها الكثير من الأطراف سواء داخلياً أو خارجياً بما يتناسب ومصالحهم بعيداً عن مصلحة الشعب الأردني.


إن التطرق لمشروع كيري الذي يُعتبر إطار تنفيذي لإتفاقيات سابقة وقّعها الكيان الصهيوني مع الجانبين الأردني والسلطة الوطنية الفلسطينية يستوجب منّا الحديث عن اتفاقية وادي عربة التي تم توقيعها مع الكيان الصهيوني في عام 1994 ، حيث احتوت في بعض موادها وفصولها على تشريعات تم صياغتها من الجانبين الأردني والإسرائيلي أسست لما يُطرح حالياً من حلول للقضايا العالقة والتي تم تأجيلها في اتفاقيات سابقة لمرحلة الحل النهائي ، ونبدأ من الحدود والأمن حيث نجد أن وادي عربة قد نصّت أن الحدود مع الدولة الأردنية هي وادي عربة ومنتصف البحر الميت والمجرى الطبيعي لـ نهر الأردن والمجرى الطبيعي لـ نهر اليرموك وبالتالي فإن أي حل نهائي للصراع العربي(الفلسطيني) _ الإسرائيلي فإن الأردن سيكون موجوداً من خلال أجهزته الأمنية وفي مقدمتها القوات المسلحة على الحدود ، أما الداخل الفلسطيني _الضفة الغربية_ فإن الوصاية الأردنية على المقدسات في القدس سيتطلب أيضاً حضوراً أمنياً أردنياً ومن هنا جاء التطرق إلى الدور الأردني الأمني في الداخل الفلسطيني.

أما بخصوص حق العودة والتعويض والتوطين فإن اتفاقية وادي عربة قد نصت وبشكل واضح على أن يعمل طرفي الاتفاقية وهم " الأردن واسرائيل " على القيام بكل ما هو ممكن لتوفير الظروف الملائمة لتوطين اللاجئين في أماكن لجوئهم والعمل على ايجاد طريقة لتعويض من ينطبق عليه مصطلح لاجىء ، أما حق العودة فقد أسقطته وادي عربة.

أما الحديث عن تخوفات من سيطرة اسرائيلية في المستقبل على المنطقة اقتصادياً فإن هذا الحديث له مرجعية أيضاً في وادي عربة حيث نصت الكثير من مواد الاتفاقية في المجال الاقتصادي والتجاري على وجوب التعاون في اقامة المشاريع التمنوية الإقليمية والتي تكون إسرائيل هي المركز لها وقد تم العمل في ذلك ومنها مشروع سكة الحديد المترافق مع الطريق الدولي الذي يرتبط بميناء حيفا وسيصل في المستقبل إلى بغداد ودمشق والخليج ، ولا ننسى مشروع ناقل البحرين الذي أقرته حكومة النسور من خلال توقيع وزير المياه الأردني والفلسطيني والإسرائيلي على مسودة المشروع ، ومشروع المدينة الصناعية المشتركة “باب الأردن” ، والمشروع النووي ، وسيكون غيرها الكثير في المستقبل.

يقود حملة رفض مشروع كيري الحركة الوطنية الأردنية بكافة أجنحتها ومسمياتها ولكن ما يلفت النظر أن الحركة الوطنية قد بدأت بالإنطواء خلف شخصيات تدور حولها الكثير من شبهات الفساد ومحسوبة على دوائر صُنع القرار الأردني(الدولة العميقة) ، حيث قامت هذه الشخصيات بالتحذير من مشروع كيري والتنويه إلى مخاطره على الداخل الأردني بأن هناك تصفية للقضية الفلسطينية ضمن مشروع تسوية نهائي على حساب الأردن وتمثلت هذه المخاطر بمواضيع محددة كالأمن والحدود والدور الأردني الأمني الرسمي في مستقبل الحل سواء على الحدود بالتشارك مع إسرائيل والفلسطينيين أو في داخل الضفة الغربية ومنها القدس ، وكذلك توطين اللاجئين والتعويض وإسقاط حق العودة وخطورته على الداخل الأردني وتركيبته السكانية.

مشروع كيري وما تحذر منه الحركة الوطنية وبمقارنته ببعض مواد اتفاقية وادي عربة نجد أن المشروع إطار تنفيذي لا أكثر بما هو مرتبط بالجانب الأردني وقد ذكرنا ذلك في مقدمة المقال كتنويه لما جاء باتفاقية وادي عربة كصيغ تأسيسية تُركت آليات تنفيذها ضمن جولات تفاوضية في إطار الحل النهائي وخاصة موضوع اللاجئين والتعويض ، أما حق العودة فلم تأتي اتفاقية وادي عربة على ذكره بتاتاً وهذا يعني أنه تم إسقاطه.

إن الشخصيات التي حذرت أو سربت المعلومات عن مشروع كيري وأصبحت محسوبة على الحركة الوطنية غالبيتهم كانوا اعضاء في فريق وادي عربة أو في دوائر صُنع القرار السياسي الأردني ، وكان الأجدر بهم أن يرفضوا تلك الصيغ التي أسست لمشروع كيري بطريقة أو بأخرى وهم أصحاب القرار أو أصحاب الشأن في التفاوض على النص في الاتفاقية.

والتساؤل الذي يفرض حضوره ، لماذا جاء الآن من شارك في صياغة نصوص الاتفاقية مع الكيان الصهيوني ليحذر من مشروع كيري؟!! وكيف من كان في موقع المسؤولية وصُنع القرار وقت الصياغة يتباكى الآن على الهوية الوطنية الأردنية؟!!

مرحلة الربيع العربي وتداعياته في المنطقة ومنها التوجهات الشعبية العربية نحو التحرر من هيمنة أنظمة الحُكم المطلق والإستبداد والظلم والإنطلاق كإستحقاق تفرضه الرغبة الشعبية والتغيرات في الإقليم بالتوجه نحو الممارسة الديمقراطية بإحداث تغييرات جذرية على البنية السياسية لأنظمة الحكم من خلال تشريعات دستورية وقانونية تتيح للشعوب المشاركة في صنع القرار على مبدأ أن الشعب مصدر السلطات وانطلاقاً من هذه التوجهات فإن عناصر النظام السياسي والمتمثل في الدولة العميقة التي إستغلت السلطات المُطلقة للنظام لتحقيق الكثير من المكاسب السياسية والإقتصادية والإجتماعية المتوارثة وبعلم النظام نفسه باتت تخشى من أي تغيير على بُنية النظام وخاصة ما هو مُرتبط في الجانب السياسي من خلال تعديل القوانين الناظمة للحياة السياسية وفي مقدمتها قانون الانتخاب الذي سيتيح للحزبية من العمل الحقيقي وتمثيل أكثر عدالة للشعب من التواجد في منظومة الحُكم والمشاركة في صُنع القرار والذي سيكون على حساب مكتسبات أطراف الدولة العميقة وهذا من الأسباب الرئيسة لتباكي من سرّب المعلومات عن مشروع كيري على الهوية الوطنية الأردنية .

ما يثير الريبة أن العقلية الأمنية للنظام السياسي التي تدير المرحلة أن تكون وراء هذه الزوبعة لما يسمى مشروع كيري لإرتباط شخوص الزوبعة بهذه العقلية وذلك لإحداث الإنقسام المجتمعي وزرع المخاوف في العقلية الجمعية للشعب الأردني وبالتالي الحفاظ على بُنية النظام السياسي ومنع أي توجهات لإجراء التغييرات اللازمة في التشريعات القانونية والدستورية التي تُتيح للشعب ممارسة سلطاته وتحقيق العدالة في ممارسة المواطنة.


إن مقاومة مشروع كيري أو غيره من المشاريع المشابهة لتصفية القضية الفلسطينية لا يكون إلا من خلال إصلاح شامل في بُنية النظام السياسي الأردني بما يتوافق مع قاعدة الفطرة البشرية "الشعب مصدر السلطات" وهو القادر على إتخاذ القرار لحماية مصالحه وتقرير مصيره ، فلو كان الشعب صاحب السلطة والسيادة لما تجرأ أي طرف على النيل من مصالحه ومصيره ، وبالتالي فإن السبب الحقيقي من وجود هذه التخوفات وغيرها من المشكلات التي يعاني منها الشعب الأردني هو الحُكم المُطلق ومن ثم إتفاقية وادي عربة التي جاءت كمرجعية وأرضية قانونية لمشروع كيري أو غيره من مشاريع الحل النهائي.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد