حراك شعبي عصبي

mainThumb

24-02-2014 11:49 AM

لا ادري لماذا كلما شاهدتُ مظاهرات واحتجاجات الشارع العربي التي تملأ شاشات الفضائيات هتافاً وحراكاً ,تتساقط على مخيلتي صور أطفال عائلتي الكبيرة الممتدة , حين يجتمعون في بيت الجدّ والجدة ,حيث يعمّ الضجيج , وأصوات غير منظومة ,وغير مفهومة .....وهمهماتٌ وصراخٌ وزعيق , وربما عويل ...وأجسادٌ صغيرة تحوس وتجوس لا تبقي ولا تذر ...ورؤوس تتماوج فتحتك وتتصادم ......وأطراف تطول,وتمتد لَكْماً ورَكْلْاً ....وشباشب تتطاير ...وكاسات عصير تندلق أرضاً ....وابريق شاي بحراسة مشددة منعاً لحدوث اختراق واحتراق.....وتوقع بسيلان الدماء من شفّة او فخذ أو رأس ... وطلبات و مطالب لا تنتهي ....وشكاوى من تآمر ومكائد وتحزّبات ,قد ترمي بظلالها على الآباء والامهات , ما يهيء الأجواء لحدوث اشتباكات ,وخلافات ,يتبعها مواقف قد تصل حد الخصومة, وانهاء العلاقات العائلية بين بعض الاطراف

وفي لحظة تنتهي الزيارة, ويغيب كل هذا الحضور الصاخب ,ولا يتبقّى الا آثارٌ مما كان , فوضى وركام وبقايا طعام , ومقبضُ باب خرّ شهيدا ,مع بقاء الفاعل مجهولا , والكل يرمي بالتهمة على الآخر . وينام الجدّان المُنهكان غير هانئين ولا مطمئنين , فباب الدار مفتوح ,واحتمالات زوار الليل مفتوحة , من حشرات وزواحف صغيرة أو كبيرة ,الى غبار خماسيني ,الى لصٍّ محترفٍ أو ضال ,فالدار مُشرَعة أمام زائر مجهول ...........!!!!!..

هو ذا الحراك الشعبي ,طاقة هادرة تفيض حياة وحيوية كأطفال عائلتي , ولكنه كأطفال عائلتي أيضاً قد لا يبقي ولا يذر , وقد يحطّم مقبض الباب , وقد يغادر الى النوم متعباً من فرط الحركة او الحراك تاركاً خلفه ركاماً وبَعثَرة . و لأن الشعوب كما الاطفال ,فلا نملك الا ان نحبهم , لأننا هم ,..من منّا لم يكن طفلاً ؟ ومن منا ليس فرداً في شعب ؟...ولكن حاجة الطفولة والشعوب ,ليست فقط للاعجاب والحب ,والتصفيق واغداق المديح ,بل ما تحتاجه وبالحاح هو ادارة لطاقتها الهادرة حتى لا ترتد على ذاتها وتحطمها......

فمن الذي يدير حراكاتنا وانتفاضاتنا وثوراتنا ...؟ أظنه حراكا يتنازعه لسانان ,واحد حلو يكيل له المديح والتصفيق فهو خطاب ايديولوجي يعيش على الوعد والحلم وربما الوهم ,ويأخذه يمنة ويساراً , ولسان كحد السيف يرميه بالخيانة والعمالة والغوغائية , وهو خطاب الحكم ,أما الغائب الذي لزم عليه الحضور ليدير الحراك وتخلّف ,فهو العقل العلمي في النخبة الثقافية , الذي ذاب بعضُه في الضجيج والشعارات ونزل الشارع يهتف كابن يهيم بأبيه ,وبعض أخر هام بالسلطة , وصار يجلد مع الجلادين.. ...فالعقل العلمي هو الاقدر على تحييد وضبط وترشيد الانفعال الديني والاثني والفئوي والقبلي ,والاستعاضة عن لغو الشعارات ,بلغة اجتماعية معادلاتها ومتغيراتها علوم إقتصاد, وسياسة ,واجتماع ,ولكنه تخلّف عن حضور الحراك و ربما عذره انه متخلّف عن العلم ذاته ...!
 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد