دراما عكاشة .. وواقعية الشاشة

mainThumb

24-03-2014 10:13 AM

أكاد أكون مدمنا على أعماله التلفزيونية ...خصوصا مسلسله أو معجزته الملحمية " ليالي الحلمية " ....أطارد هذا المسلسل من فضائية إلى أخرى , لا أمل تكراره وترداده

كاميرا المخرج لا تعرف الكسل أبدا , ولا تضيع الوقت , فهي تطاردة وتتعقب كل ما يخدم إيصال رسالته إلى المتلقي , وجوه بشرية متعوب عليها في "المكياج " وتمثل المشاعر , ورسمها على الشاشة , أفواه في لحظة المضغ , صوتها --وهي تدرس الطعام وتبتلعه --تخرمش أذنيك , زوايا البيت وأثاثه المسخر لإغناء المشهد وتخصيبه , فضح المخفي من المعنى عبر صورة أو حركة أو لون

الكاتب العبقري " عكاشة " مجنون بمصر والحالة المصرية " المصراوية " , وهو محق في ذلك , فمصر علامة فارقة في هذا الوجود .....وقد انعكست " مصراويته " أداء فنيا وفكريا على أعماله ...نزل "عكاشة "إلى الشارع ومنح العمال والمزارعين وخادمي وخادمات البيوت حقهم في الظهور على الشاشة , وأفرد لهم مساحات واسعة في الحوار والحركة وإبداء الرأي ......لا تقيم كتابات "عكاشة " وكاميرا مخرجه طويلا على أبواب القصور , تعالج ترف الأغنياء والملوك وتلك الطبقة ...الذين استعمروا الفن واحتلوا الشاشه على مدى عقود في الفن المصري التقليدي

رصد هائل وضخم للنفس البشرية وتحولاتها عند "عكاشة " , معالجاته الموضوعية لشخصياته باردة جدا , لا تعرف التحيز والمحاباة , لا توجد شخصية تمثل الخير أو الشر باستمرار , لكل أخطاؤه ونجاحاته , التغير سيد الموقف وبطله , مثلما أنه لا يوجد حد فاصل بين الخير والشر على نحو مدرسي مفرط في التسطيح والسذاجة , يستفز عقل المشاهد ويستغبيه ....على العكس , فإن أعمال " عكاشة " تحترم المشاهد وتشاركه , وتعتبره جزءا من العمل , ولا تعوده على الكسل والإجابات الجاهزة , عبر ترك النهايات مفتوحة دون حلول , وعبر تطور ونمو دراميين واقعيين دون مثاليات ووعظيات فوقية جاهزة ومستهلكة

كأن "عكاشة " كان يعيش نبوءة ما يحصل الآن , الفتنة الطائفية , وخطر الإرهاب الديني , وأن الدين ليس مجرد فتوى بل هو ضمير الخير الذي يسكنك بأي اعتقاد أو تشريع تمتطيه ....المخدرات وفتكها بالشباب ....ضمور الطبقة الوسطى وذوبانها في الفقر ....تحول الاقتصاد إلى مجرد استيراد ....فساد الطبقة السياسية وامتهانها للتجارة ....فقدان الجسم الفني لرسالته ...تخلي المثقف عن موقعه وارتهانه لقوى الظلام
 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد