من آفات اللسان .. الكلمات النابية - د. زياد الوهر

من آفات اللسان  ..  الكلمات النابية - د. زياد الوهر

27-05-2014 08:14 PM

يستخدم العديد من الناس في أحاديثهم اليومية ألفاظا نابية وكلمات سيئةقد لا أجرؤ خجلا على ذكرها في مقالي هذا؛وهي تبدر منهمأثناء الشجار صغارا كانوا أم كبارا،ولا أدري حقيقة كيف بدأت حكاية الشتائم في التاريخ ومن كان صاحبها الذي استن هكذا ضلالة فكسب آثام ووزر كل من استعمل الشتيمة إلى يوم الدين والله أعلم.

المهم أن الشتائم أصبحت جزءا مهما من أحاديث الكثيرين والتي لا تخلوا من الطعن والسباب واستغابة الآخرين باستخدام ألفاظ نابية جدا،والمحزنأن الصغار قد اكتسبوا هذه العادة القبيحة فأمست مفرداتهم كمفردات الكبار فيها ما لا يليق من الألفاظ، فتراهم يتفوّهونبالكلمات وهم لا يعرفون معناها ولا يدركون فحواها.

وقد تجد أن بعض هذه الكلمات النابية قد تعلمها الصغار باللغة الإنجليزية من الأفلام والمسلسلات الكرتونية،فأمسى التلفزيون شريكا مشاركا في زيادة رصيد الطفل منها وبخاصة مع تدني مستوى اللغة والمفردات في بعض البرامج الحوارية والأعمال الفنية التي تزخر بالعديد من المستجدات في عالم الشتائم،وحتى أن بعض رجال السياسة ومن حولهم قد اعتادوا المجاهرة بتلك الألفاظ في وسائل الإعلام.

 والشِّعر العربي لا يخلوا أيضا من استعمال كلمات نابية على مر العصور، ولا شك أن بعض كتب الأدب فيها من قلة الأدب الكثير والتي تتنافى مع الذوق العام ولا تليق أن توضع على أرفف مكتباتنا أو أن تُسطِّر في مقالنا هذا.

يقول علماء النفس والتربية أنك مثلما تزرع تحصد وهذه حقيقة لا يختلف عليها اثنين ولكن وفرة هذه الألفاظ على ألسنة الأبناء بهذا الشكل لا بد أن يكون لها العديد من الأسباب ويأتي في مقدمتها التربية في المنزل ولغة الحوار فيه.إن أسلوب الحوار المتّبع في أي أسرة بين الوالدين وأبنائهم يشكل اللبنة الأولى لمفردات الطفل وكلماته. فإن كانت الأساليب المتّبعة في المنزل راقية وخالية من هذه الآفات فالمؤكد حينها أن الطفل لن يكتسبها بسهولة، وإن كانت الألفاظ النابية جزءا يوميا من سلوك الأبوين فلا شك أن الأبناء سيكونون على دين آبائهم وسيتبعونهم في سلوكياتهم وألفاظهم.كما أن لغة الحوار والتعليم التي يتبعها المدرس في فصله، والأطفال فيما بينهم كلٌّ حسب تربيته وثقافته ستؤثر بشكل واضح على رصيد الطفل من هذه الآفات البذيئة.

ولكن ما هو دور المربي من أجل تقويم هذا السلوك لدى أبنائه ومنعه من الاستفحال؟ والإجابة تأتي في قول الله سبحانه وتعالي: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَنيَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّخَيْراً مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِبِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُالظَّالِمُونَ" الحجرات:11.كما أكد لنا هذا المعنى رسولنا الحبيبحين قال كما وردعن أبي موسى الأشعري(قلت: يا رسول الله، أي المسلمينأفضل؟ قال: من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده).فالتنابز بالألقاب والسباب منهيٌّ عنه شرعا والبداية تكون دائما من المنزل فمن شبّ على شيء شاب عليه، فالطفل حين يستعمل هذه الألفاظ ويلقى في المرحلة الأولى التوجيه الصحيحوفي بعض الأحيان التجاهل فقد لا يعود لهذا السلوك مستقبلا، في حين لو تم زجره وبشكل عنيف من أول وثاني مرة وبدون توجيه فقد يستعمل الألفاظ النابية لشدّ الأنظار والانتباه نحوه من قبل والديه وأخوته. والأجدى أن يتم عند التكرار توجيه الطفل بمضار هذا السلوك وتنافيه مع أخلاقنا، فإن استمر فسيكون التدرج في العقاب وسيلة رادعة لوقف هذا السلوك المنحرف.كما لا بد من أن نعين أطفالنا على استعمال كلمات حميدة من خلال استعمال لغة راقية في الحوار بين الوالدين وأطفالهم وتفادي ما أمكن الكلمات النابية التي قد تترك في الطفل أثرا نفسيا سلبيا.

وتُشكّل المدرسة والأصدقاء موردا دائما لهذه الألفاظ ومعينا منها لا ينضب وهنا لا بد للوالدين من توجيه الطفل في اختيار أصدقائه وأن يكون لهم أنموذجا في حُسن الخلق يقتادون به ولا يقلدهم في كل شاردة وواردة.كما أن مراقبة ما يشاهده الطفل من مسلسلات كرتونية أو تلفزيونية قد تُعين على تحديد المناسب وتفادي الغث والمسيئ منها ذلك أن بعضها فيه الكثير من الألفاظ السيئة، وأنا شاهدٌ على ذلك شخصيا عدة مرات عندما كنت أشاهدها برفقة أولادي في جلساتنا العائلية المشتركة،والمعيب أنها تسمى مسلسلات للأطفال وتُعرض في أحد أشهر القنوات العربية المخصصة لهم.

ويعتبر كتاب الدكتور عمر عبدالكافي "أمسك لسانك" واحدا من أفضل الكتب التي تناولت آفات اللسان وكيفية معالجتها،وعرض فيه لموضوع سباب المسلم والنواهي الشرعية عنه؛ حيث يقول: "في ديننا نصوص شرعية كثيرة تحذرنا من سباب المسلم؛ لأن السباب أشد من السّب؛ وهو أن يقول الإنسان ما فيه وما ليس فيه، هذا هو السباب"وتابع قائلا: "فالإنسان عندما يمسك لسانه عن سباب المسلم سوف يتعود الصفات الحسنة الجميلة، وعندما يطلق لسانه بالفحش وبالبذاءة في الناس وفي أعراضهم، عندئذ سوف يتعود لسانه البذاءة".

وفي الختام أقول ما قاله الشاعر:

أحبُّ مكارمَ الأخلاق جَهْدي    وأكره أن أَعيب وأن أُعابا

واصفح عن سبابِ الناس حلماً    وشرُّ الناس من يهوى السبابا

z_alweher@hotmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد