العسكر لا يحبون الشجر

mainThumb

02-06-2014 10:20 PM

قبل سنة ثارت غضبةٌ اجتماعية في ميدان تقسيم التركي قادها ناشطون بيئيون على اثر محاولة رئيس الوزراء اردوغان اقتلاع اشجار وارفة من ميدان تقسيم في اسطنبول ليقيم على أنقاضها ثكنة عسكرية هدّمَت سنة 1940 تغزّلا بمجد الامبراطورية العثمانية الغابرة , وانتصر حينها المحتجون لشجر تقسيم غير آبهين بأمجاد عسكر عثمان , ذاتُ الأمر يحدث الآن في غابة "برقش " حيث تنوي الحكومة الاردنية اقامة كلية عسكرية باسم عريق هو "سانت هيرست " البريطانية , وذلك على رفات مئات الأشجار الباسقة . وذات الأمر يحدث كل حين في فلسطين , فحكم العسكر الاسرائيلي له تاريخ طويل في سفك أشجار الزيتون على رؤوس زارعيه .


هكذا هم دائما العسكر في كل زمان وفي كل مكان لا يأبهون بالشجر , هذه ليست عبارة شعرية تداعب الخيال , وتفتحه على مآلات ومقالات رومانسية أو سوريالية , بل هي مقولة نظرية تفتح جدلا تاريخيا يُعرف في الدراسات الاجتماعية بثنائية المرأة /الطبيعة يقابلها الرجل /الحضارة .


فالعسكر عبر التاريخ هم من يشيدون الامبراطوريات ويعدّون الجيوش والقروش , ويهزون الكروش و العروش , ويسيرون بنعالهم الثقيلة إلى العلا والمجد والسؤدد غير آبهين بما في الطريق من حجر وبشر وشجر ....فكانت أول وأشهر ضحايا حروبهم النساء , يسبونهن ويغتصبونهن ويبقرون أحشاهن و بطونهن .فاغتصاب النساء ظلُّ الحروب , يتفيّأ المحارب فيه قليلا من لظى القتل , ويستريح برهة من قذف الدم الحار بقذف ماء الحياة .


والعسكر أيضا لا يحبون الشجر , ربما لأنه يستدعي في ذاكرة المحارب ذلك الخوف القديم من زمن الغابة حين كان صيادا أعزل مترحّلا في المدى بلا ملكية ولا مُلك , زمنٍ لم يحكم فيه ولم يسُد , زمنٍ سكنته امرأةٌ حدّ شجرة ,وعمّرته بالحب والود . وأما في زمن العسكر فقبضة الحكم حديدية ولا حاجة اذن لخشب الشجر , فسيوف الخشب لا تقتل ولا تصنع البطل , ولا المدافع ولا القاذفات ولا الصواريخ ولا القنابل يصلحُ لها ان تُصنع من خشب .

وحتى الحجر لم ينج أيضا من خوف العسكر , الخوف من انتفاضة بالحجارة , والخوف من جدارِ عزلٍ اسمنتي , والخوفُ من عدوّ قديمٍ جديدٍ يختبئ خلف حجر , و الخوف الأكبر أن تكذب الاسطورة فلا ينطق به الحجر



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد