قربان المبادئ على مذبح غزة

mainThumb

03-08-2014 03:31 PM

لقد كشفت هذه الحرب المستعرة في غزة عن غياب العمل العربي المشترك ومنظومته المشلولة "جامعة الدول العربية"، وسقطت للأبد آمال وأحلام المواطنين العرب بالوحدة السياسية والاقتصادية حتى ولو كانت وبكل تواضع كلاما تذروه الرياح، وضاع للأبد ما خطّه فخري البارودي في نشيده الشهير الذي طالما تغنينا به في طابور الصباح المدرسي:


بلادُ العُربِ أوطاني منَ الشّـامِ لبغدان ومن نجدٍ إلى يَمَـنٍ إلى مِصـرَ فتطوانِ


فـلا حـدٌّ يباعدُنا ولا ديـنٌ يفـرّقنا لسان الضَّادِ يجمعُنا بغـسَّانٍ وعـدنانِ


لنا مدنيّةُ سَـلفَـتْ سنُحييها وإنْ دُثرَتْ ولو في وجهنا وقفتْ دهاةُ الإنسِ والجانِ


فهبوا يا بني قومي إلى العـلياءِ بالعلمِ و غنوا يا بني أمّي بلادُ العُربِ أوطاني


 فما أن بدأ العدو الصهيوني عدوانه الهمجي على قطاع الغزة حتى برزت هشاشة وضعف الدول العربية أمام هذا العدو وآلته العسكرية الجبارة، ونأت كل دولة بنفسها عن تحمل مسئولياتها الأخلاقية تجاه أهل غزة المسلمون والعرب الأقحاح والذين يدافعون عن وطنهم وكرامتهم أمام العدو المحتل لأرضهم منذ أكثر من ستة عقود. نجحت إسرائيل ولأول مرة منذ إنشائها في شق الصف العربي لعدة محاور والذي بالمناسبة لم يكن متحدا أو على قلب واحد منذ اتفاقية سايكس بيكو المشئوومة في العام 1916 .
قدمت غزة فرصة ذهبية للعرب من أجل التوحد في رؤاهم؛ وبخاصة أمام العدو الصهيوني المشترك لكل الدول العربية والذي نعرف أهدافه وآماله في تحقيق دولة إسرائيل الكبرى من النهر إلى النهر، فإذا بنا نفاجأ بمواقف متخاذلة وأخرى متعاونة وثالثة صامتة من الدول العربية بشكل لم يكن يخطر ببال شياطين الإنس والجن. تعاون العرب ولأول مرة وبكل سفور ولا حياء مع العدو الصهيوني على وأد حركة المقاومة الإسلامية في القطاع وكلها تحت مبررات واهية وسخيفة فتارة يقولون أن الحرب بدأتها حركة حماس (مع التذكير أن حرب أكتوبر المجيدة في العام1973 بدأها العرب أنفسهم ولم يتهمهم أحد يومها بالإرهاب) وتارة يقولون أن حماس حركة سياسية تتبع في نهجها مبادئ حركة الإخوان المسلمين المغضوب عليها في مصر، وتارة يقولون أنه قد آن الأوان لحل المشكلة الفلسطينية عبر الحلول السلمية للانتهاء من هذه القضية إلى الأبد من أجل البدأ في بناء الدول العربية وبدأ دوران عجلة التنمية الاقتصادية فيها، مع العلم أن كل من يتفوه بهذه الفرضيات يعرف مسبقا في داخله أن هذا الكلام كذب وهراء وافتراء وتزييف للحقائق، ذلك أن ديدن بني صهيون معروف ولا يتغير أبدا منذ أن وجدوا على الأرض وهم يحنثون بالعهود ويستعملون الكذب وسيلة لهم وسترا لألاعيبهم ويستعملون كل الوسائل القذرة من أجل تحقيق أهدافهم. وقد قال الله سبحانه وتعالى في ذلك تأكيدا لهذه الحقيقة الأزلية: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} البقرة (100).


والحق أقول أني أجد نفسي في بعض الأحيان مستغربا من تلك المواقف التي سرعان ما تبدلت 180 درجة وأصبح العدو حبيبا والحبيب الأخ عدوا لدودا واستغرب أكثر من نفسي حين أسطر ها هنا بعض الحقائق الثابتة عن بني صهيون وكأني أتحدث لأناس لم يعرفوهم أو يكشفوا خباياهم.


لقد قدم العرب كل القرابين لإسرائيل على مذبح غزة فأعطوها بتعاونهم وصمتهم الضوء الأخضر لاستباحة أرواح وأعراض وممتلكات أهل غزة، فسرقوا بهجة الأطفال في العيد، ودمروا البيوت على رؤوس قاطنيها، ودمروا ما تطاله آلتهم الحربية من المساجد والمستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء للمدنيين العزل من نساء وأطفال وشيوخ، فقتلوا وشردوا ولا زالت ماكينتهم العسكرية تعصف بأهل القطاع، والعرب يتحدثون عن الجامعة العربية والقانون الدولي ومنظمات حقوق الإنسان والصليب الأحمر الدولي، هذه المنظمات جميعها سقطت وفشلت وأمست عاجزة بقدرة قادر عن رفع الضيم عن الشعب الفلسطيني وقدموا بكل صفاقة دماء الشهداء قربانا لرضى إسرائيل ومن يقف ورائها من الدول وعلى رأسها أمريكا. والتي بالمناسبة أقرت منحة مالية ضخمة لتطوير منظومة القبة الحديدية منذ يومين لإسرائيل لحمايتها من صواريخ المقاومة التي يدعي الكثيرون أنها عبثية.


نعم لقد غابت الأخلاق وانعدمت القيم وزالت كل عوامل الوحدة العربية التي تربينا عليها مثل وحدة الدم والدين واللغة والمصير المشترك، غابت هذه المبادئ وحلّ مكانها مصطلحات وقيم جديدة لم نعهدها وأهمها الأنانية المفرطة والانزواء والحفاظ على المكتسبات؛ إن وجدت وكأني بهم ولسان حالهم يقول:


 صراخكم يا أهل غزة يزعجنا
وعويلكم في الليل والنهار يؤرقنا
وبكاؤكم أقض مضجعنا
فموتوا ودعونا نتمتع
أفلا تريدون الشهادة
فنحن لم ننم منذ عقود
وفلسطين وأبناؤها تتوجع
فدعونا في سلام
فإسرائيل لن تتراجع
وسلموا الراية تسلموا
ودعونا لمفاتن الدنيا
فنحن لم نعد نرى
ولم نعد نسمع


الأخلاق والمبادئ كما أعرفها ويعرفها الكثيرون لا تتبدل أو تتغير بالظروف والأحوال، ولذلك سميت مبادئ وأصلها مبدأ، أما ما يجري على الساحة العربية من صمت رهيب وموجع تجاه غزة قد لا أجده جديدا وخاصة بعد ما حدث في كل من سوريا والعراق وليبيا وكأنها صوملة جديدة، والعرب في نومهم العميق لا يأبهون، وكل منهم يقول اللهم نفسي نفسي. فها هي ليبيا الجديدة تغرق وعلى حافة الهاوية والعراق قد بدأت فيه مشاريع التقسيم لثلاثة دول ناهيك عما يتم في شماله من تشويه حقيقي للإسلام من خلال قطع الرؤوس ونكاح الجهاد وختان البنات وتهجير المسيحيين وهدم أضرحة الأنبياء وغيرها الكثير الكثير. جاءت غزة وأزاحت الغبار المتراكم على مبادئ العمل العربي المشترك ولتكشف حقيقة هذا الزيف وتفضح كل من يدعي العمل من أجل الأمة العربية.


لله درّك يا غزة.. فكم من الحقائق والفضائح قد انكشفت على باب محرابك وأمام مذبحك.. لله درّك.

z_alweher@hotmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد