موقف القيادة وموقف الشعب بون شاسع بينهما

mainThumb

18-11-2014 05:33 PM

القيادة السياسية في بلدان العالم الديمقراطي تستشعر نبض الشعب حيال المواقف والأحداث المختلفة، وتقوم بترجمة هذه الأحاسيس والمشاعر والاتجاهات إلى مواقف تخدم الوطن والشعب. صحيح أن القيادات في هذه الدول الديمقراطية يصعب عليها أن تسير وراء اتجاهات شعبية كثيرة ومتعددة ولكن من أجل هذا تكثر في مثل هذه المجتمعات الاستطلاعات والمسوحات الدورية للرأي العام ، والمواقف الشعبية تجاه قضية أو قضايا حيوية تهم الناس ، حيث يستأنس النظام وقياداته بنتائج هذه الاستطلاعات ويأخذونها بالاعتبار عند اتخاذ قراراتهم. هذه الاستطلاعات يقوم بها وعليها هيئات ومؤسسات محترفة ومستقلة ومحايدة لا تتدخل بالنتائج وليس لها مصلحة في مخرجات هذه الاستطلاعات على عكس المؤسسات في الدول النامية والأردن على وجه الخصوص .نتائج استطلاعات الرأي الذي تجريه بعض الجهات في الأردن وفي مقدمتها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية ربما يعوزها الدقة والحيادية والبعد عن التأثير الحكومي على نتائج التقييم لأداء الحكومة حيال قضايا اقتصادية واجتماعية وسياسية. مركز الدراسات الاستراتيجية نفسه تابع للجامعة الأردنية التي هي مؤسسة عامة ذات شخصية معنوية ،يتم تعيين رئيسها وإقالته بقرار من الحكومة الأردنية ، كما أن موازنة المركز هي من المال العام وبالتالي فإن نتائج الاستطلاعات والمسوحات التي يجريها المركز لتقييم أداء الحكومة ،وأداء الحكومة في المائة يوم الأولى، ودورها في مكافحة الفساد والواسطة والمحسوبية كل ذلك متأثر بالمظلة والرعاية الرسمية للمركز والقائمين عليه ،ولذلك فلا غرابة أن تكون النتائج مغايرة للواقع ولا تلامس حقائق الأمور ونبض الشعب .نتائج هذه الاستطلاعات تلامس نبض المسئولين محل التقييم ، وتدغدغ مشاعرهم ، وتشنف آذانهم ، وتزيد من شعورهم بالعظمة الفارغة من المضمون. أكاد أجزم أنه لو تم استطلاع شعبية حكومة الدكتور النسور اليوم لخرج لنا قسم الاستطلاعات في مركز الدراسات الاستراتيجية بتقييم يفيد بأن شعبية أبو زهير تزيد عن شعبية رجب طيب أردوغان في تركيا أو مهاتير محمد رابع وأعظم رئيس وزراء في تاريخ ماليزيا الحديث.


من جانب آخر فإن عمل مراكز الاستطلاع في الأردن والقوائم التي يعتمدها لعينات قادة الرأي ، والأسئلة المصاغة ،وطريقة طرحها كلها تضع ظلالا وإشارات استفهام حول مصداقية نتائجها. معظم قادة الرأي هم من أنصار النظام والموالين والمسحجين له في حين لا تتضمن هذه القوائم استطلاعا لآراء الحراكيين والمعارضين حزبيين كانوا أو مستقلين .إن الخبراء العارفين بأساليب ومنهجيات البحث العلمي والاستقصاءات والمسوحات الاستطلاعية لاتجاهات الناس السياسية أو غيرها يعلمون علم اليقين أن مدى عشوائية العينات المختارة ،وصدق الأسئلة المطروحة، وثبات نتائجها ،هي التي تحدد مدى موثوقية نتائج هذه الاستطلاعات وقابليتها للتعميم على المجتمع قيد الدراسة والاستطلاع. وعليه فلا غرابة أن تكون نتائج الاستطلاعات التي تقيم الأداء الحكومي أو شعبية الحكومة غير دقيقة ولا تعكس الاتجاهات الحقيقية ووجهة نظر المواطنين بها.


أما على صعيد العمل النيابي ومدى اعتماد النواب على استطلاع ومعرفة أراء ناخبيهم في القضايا المهمة المطروحة على مجلسهم ، فهذا أيضا يكاد يكون غائبا تماما ، فالنائب بعد انتخابه يذهب في طريقة وكأنه حصل على( شيك أبيض) أو تفويض مطلق من الناخبين في منطقته ليصوت بالطريقة التي يراها مناسبة ويؤيد الحكومة أو يختلف معها حسب معرفته ومزاجه وفي معظم الحالات حسب مصالحه الشخصية ومصالح أبنائه.


إن غياب استطلاعات رأي حقيقية لمعرفة رغبات ونبض الشعب واتجاهاته المختلفة حيال القضايا الرئيسية التي تهمه تحرم أولي الأمر ومتخذي القرارات من مراعاة الرأي العام ومواقفه ، كما أن هذا الغياب أو بالأحرى التغييب لمؤسسات مستقلة لاستطلاع الرأي العام يشجع الاتجاهات الانفرادية أو الاستفرادية في ممارسة السلطة ، ويشجع الاستبداد والاستحواذ على اتخاذ القرارات ، وتهميش الشعب مما يؤدي بالتالي إلى وجود بون شاسع بين مواقف الدولة الرسمية ومواقف الشعب والجماهير. ولعلنا نورد في هذا السياق بعض القضايا على سبيل المثال لا الحصر عن الهوة الكبيرة التي تفصل موقف الأردن الرسمي عن الموقف الشعبي في العدوان الإسرائيلي على غزة ،وتحالف الأردن مع قوى عربية وإقليمية ضد حماس، ودخول الأردن في التحالف الغربي بقيادة أمريكا ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وزيادة أسعار السلع ورفع الدعم عن الأردنيين ،وتأييد الأردن الرسمي للانقلابين في مصر ودعم السيسي ،والتعديلات الدستورية التي أناطت صلاحيات تعيين مدراء الأجهزة الأمنية بالملك. إن الهوة الكبيرة بين مواقف الأردن الرسمي والمواقف الشعبية من معظم القضايا الوطنية والعلاقات الدولية مع أمريكا وإسرائيل والخليج العربي ومصر باتت مقلقة وتهدد استقرار الدولة وأمنها وأمانها ونعتقد أن الغياب أو التغييب المتعمد للمعلومات يظلل أولي الأمر ويقلل الرضا الشعبي عن النظام ، ويزيد من الشعور بالاحتقان والسخط على التهميش لأراء المواطنين ومشاعرهم. نعم إن هذا الانفصام لسلوك وقرارات أولي الأمر عن هموم الشعب وتطلعاته ومواقفه هو الخطر الحقيقي على الأردن ومستقبله واستقرار نظامه أكثر من خطر الإسلاميين أو غيرهم من داخل الوطن أو خارجه.
 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد