الإرهاب : الحقيقة المُرﱠة

mainThumb

20-01-2015 03:02 PM

 تخوض الأمة العربية حرباً ضد المجهول ، وأحياناً أخرى ضد نفسها وضد مصالحها . وعلى الرغم من ذلك ، فمن الخطأ المغالاة في التشاؤم وإعتبار أن ما هو قادم أسود قاتم وأن العرب مقبلون على نهايتهم . فما نحن مقبلون عليه هو نهاية حقبة وليس نهاية أمة . والأمل المستند إلى إرادة المقاومة هو أحد أهم أدوات الصمود ضد المخاطر القادمة .

        المرحلة التي نمر بها الآن خطيرة ، وخطورتها غير محصورة في كونها سوف تعصف بكل ما نعرفه وعرفناه وبالمفاهيم السياسية الأساسية ونظام الدولة الوطنية الذي عشناه وآمنا به، بل بحقيقة أننا لا نعرف نتيجة ما سيتمخض عن كل ذلك ، وإلى أين سيؤدي بنا هذا المسار.

والغريب والمؤسف أنه بالرغم من ذلك ، لا يوجد أي محاولة حقيقية لوقف هذا الإنهيار ، بإستثناء ، ربما ، ما جرى في مصر وأدى إلى وقف عملية إضعاف وتفكيك الدولة الوطنية ، بالرغم من الخلافات في الرأي التي تحيط بالأسلوب الذي تم فيه ذلك .

      ما يجري الآن ليس عملية تفكيك سهلة للنظام العربي القائم يدعمها استسلام عربي كامل ، بل هي عملية صعبة ومعقدة كونها تهدف إلى استبدال شئ معروف بشئ مجهول وبوسائل دموية عنيفة تجعل من هدف إعادة تشكيل المنطقة و دُوَلها أمراً في غاية الخطوره في نتائجه ، وذات مخاض طويل ومؤلم .

       أكبر و أخطر مجهول تجابهه الأمة العربية الأن هو مخطط تقسيم المنطقة وتفتيتها من داخلها واستعمال الإرهاب كمدخل لذلك بحيث تـُعْطـَى الجهات الأجنبية عذراً ومبرراً للتدخل وتكريس مخطط التجزئة والتفتيت تحت شعار مكافحة الإرهاب . فالإرهاب هو من ضمن مجموعة من المصطلحات الغامضة التي إبتدأت تحل محل مصطلحات أخرى معروفه لدينا مثل مقاومة الإحتلال ، والتخلص من النفوذ الأجنبي ، وحماية استقلال الوطن ، والتخلص من القواعد الأجنبية ، والتنمية الوطنية للإقتصاد والمجتمع ، وإستقلال الإرادة ... الخ .

      ومصطلح الإرهاب الذي تم استنباطه وتطويره على مدى السنوات القليلة الماضية يتميز بالخصائص التاليه التي يتطلب إستيعابها  وعياً كاملاً لما هو مخطط ضد العرب والمسلمين  :-

      أولاً : إن ربط الإرهاب بالإسلام ومن ثم بالعرب كان هدف أمريكا والغرب منذ البداية ،                                                                                              لأن ذلك من شأنه أن يفتح الباب على مصراعيه أمام التدخل في شؤون دول عربية واسلامية تحت شعار مكافحة الإرهاب .

      ثانياً : إعطاء مصطلح الإرهاب تعبيراً فضفاضاً بحيث يتسع لما تريد أمريكا والغرب تحقيقه من أهداف كونهم أصحاب هذا المصطلح أصلاً وهم المستفيدون من فرضه على العالم كخطرٍ رئيس تتطلب مكافحته تعاوناً دولياً . وهكذا يصبح العرب جزأً من الحلف المعادي لما يسمى بالإرهاب وفي نفس الوقت الضحية المستهدفة من ذلك الحلف .

      ثالثاً : إلباس مصطلح الإرهاب الثوب العقائدي من خلال ربطه بالإسلام وكأن الإسلام ديناً يُكَرﱢس الإرهاب ويدعو إليه ، في حين أن التطرف و الإرهاب هو قناعة فردية أكثر منه ايديولوجيا أو عقيدة جماعية . وهذه القناعة تستند ، في الغالب ، إلى شعور الفرد بالإضطهاد والظلم والغضب الذي يدفع صاحبه إلى نهج العنف والتطرف .

       رابعاً : تطوير مفاهيم الإرهاب وتعميمها وشيطنتها اعلامياً بواسطة الإعلام الغربي والأمريكي ومن ثم ربطها بالعرب كعِرْق أو بالإسلام كدين أو كليهما . وبالطبع فإن هذا المسار سوف يؤدي إلى خلق رأي عام يعكس نفسه في سياسات وقرارات تتخذها الحكومات الغربية المعنية وبما يؤدي إلى العدوان على دول عربية واسلامية وانتهاك سيادتها تحت شعار مكافحة الإرهاب والقضاء عليه . وهذا ما يجري الآن بالضبط من خلال الحلف الدولي لمكافحة الإرهاب كما هو مخطط له وكما سيجري تطويره بعد حوادث باريس والهجوم على صحيفة شارلي ايبدو وما تبعه من دعوة  أمريكا إلى مؤتمر عالمي لمكافحة الإرهاب في 18 شباط المقبل .

        خامساً : استعمال العرب لكلمة الإرهاب أصبح الآن عشوائياً ويتم دون أي تمحيص أو تقدير لعواقب مثل ذلك الإستعمال ، مما قد يدفع الأمور في أحيان عديدهً ، إلى إدانة ذاتية دون وعي أو تقدير لتبعات تلك الإدانه من تجريم وابتزاز . ومما يسهل الوقوع في هذا الفخ أن الحكام العرب يفصلون بين أنظمتهم وبين شعوبهم . وهذا يعني أن الأنظمة العربية أو الأسلامية حريصة على عدم إدانتها بتهمة الإرهاب ويعطون الأولوية لتبرأة أنظمتهم من تلك التهمة ، وليس بالضرورة تبرئة شعوبهم منها . ومن أجل الوصول إلى ذلك ، فإن تلك الأنظمة على استعداد للتحالف مع أعداء الأمة ، والمغالاة في تأييد دول أخرى أجنبية من أجل الحصول على البراءة وصك الغـفران لنفسها من تهمة الإرهاب ، والموافقة ، من أجل ذلك ، على اتخاذ خطوات وسياسات قد تكون معادية لمصالح شعوبها .

         سادساً : النمطية التي تميز العديد من الأسلاميين سواء بالشكل من ناحيه إطلاق اللحية بأشكالها المختلفة تيمنا بالسنـََّة الحميدة كما يَدﱠعُون ، أو بلبس الدشداشة سواء الطويلة أم القصيرة أو لباس الرأس بأشكاله إدعاءاً منهم بأن هذه هي أيضاً السُنـّة الحميدة ، كل هذا من شأنه أن  يساعد على ربط الإرهاب بالأسلام والإسلاميين في ذهن باقي شعوب العالم . فالشكل في هذه الحاله يَسْتـَبْدِلْ السلوك ويصبح ربط الإسلام بالإرهاب ظاهرة عامة تعتمد الشكل وليس المضمون . إن الألتصاق بمظاهر كانت سائده قبل ما يزيد عن 1400 عاماً يساهم في خلق الإنطباع لدى العالم الخارجي بأن الحركات الإسلامية والجهادية متزمتة وأن اصرارها على التمسك بما كان سائداً قبل قرون يشكل تفكيراً سلفياً . فتلك المظاهر لم تكن في الواقع جزأ من الدين بقدر ما كانت انعكاساً لما كان متوفراً وممكناً وللواقع الأقتصادي والأجتماعي البسيط وشبه البدائي في تلك الأزمان . ولكن النمطية تؤدي بالنتيجة إلى التعويض عن غياب الأيديولوجيه من خلال استبدالها الفكر والعقيدة بالشكل ، بالإضافة إلى إيجاد رابط نمطي يخلق انطباعاً عاماً بوجود تنظيم دون أن يكون هناك  تنظيماً موجوداً فعلاً بالمفهوم الكلاسيكي للتـنظيم . إن الإيحاء بوجود تنظيم والإيحاء بوجود عقيده أو ايديولوجيا من شأنهما أن يجعلا من عنوان الإرهاب خطراً حقيقياً وسبباً وجيهاً بيد الغرب لإستنفار العالم وراء شعار محاربة الإرهاب ، وهذا بالضبط ما قد تؤدي إليه النمطية المتاشبهة للمتشددين والجهاديين والمتدينين من المسلمين المعتدلين .

       سابعاً : الجنسية لا تُلغي الأنتماء الديني ، فالأول سياسي وطني والثاني ديني شخصي . ومن هنا يأتي التعميم من خلال الخلط بين الأثنين كسياسة مقصودة . فكون بعض العرب المسلمين أو المسلمين بشكل عام ينتمون إلى تيارات سلفية وجهادية لا يعني ولا يجب أن يعني التعميم وأن جميع العرب أو المسلمين هم كذلك . ففي حين أن القوانين في الغرب لا تسمح بمحاسبة الفرد بناء على أصوله العرقية أو إنتماءه الديني ، إلا أن هذا لا ينطبق على العرب والمسلمين . فهم ، بشكل عام موضع شك بحكم أصولهم العرقية أو انتماءهم الديني إلى أن يثبت العكس .

         منذ حادثة شارلي ايبدو في باريس ، لاحظنا وجود تسارع ملحوظ وتكاتف على أعلى مستوى سياسي في الغرب لإعادة إحياء الحرب على الإرهاب كمشروع دولي وهدف تسعى إليه جميع القوى الغربية ، وتحويله إلى حلف دولي بأهداف غربية خفية . فما جرى في باريس مؤخراً من اعتداء على مدنيين وقتلهم وما تبع ذلك يشير إلى أن التحالف الدولي للحرب ضد الإرهاب إنما يهدف في الواقع إلى أمرين واضحين :-

        أولاً : اجبار العرب والمسلمين على قبول سياسات ومواقف الغرب المتعلقة بمكافحة الإرهاب كوسيلة للحصول على صك غفران و براءة دولية من الإرهاب حتى ولو أدى ذلك إلى استباحة المنطقة العربية عسكرياً والسماح لقوات أجنبية بالإعتداء عليها وخرق سيادتها ، مع العلم أن الهدف الحقيقي هو إعادة إحتلال المنطقة تمهيداً لتمزيقها وتحويلها إلى دويلات . وهذا الموقف الضاغط يشكل في حد ذاته ، ارهاباً ضد العرب والمسلمين لأن المطروح أمامهم إما الأنصياع الكامل لرغبات الغرب ، أو المخاطرة بتصنيفهم دولاً وشعوباً إرهابية .

       ثانياً : إظهار اسرائيل واليهود وكأنهم ضحايا للإرهاب ، كما تم في باريس مؤخراً خلال وعقب المظاهرة ضد ما جرى من قتل للمدنيين في واقعة شارلي إيبدو ، مع العلم أن اسرائيل هي منبع الإرهاب منذ ما قبل عام 1948 وهي أول من قدم الإرهاب الديني والعنصري لمنطقة الشرق الأوسط . إن الهدف وراء هذا الموقف هو تنظيف صفحة اسرائيل و تطبيع العلاقات بينها وين العرب وتحويلها من عدو إلى حليف دون أن تقدم في المقابل أي تنازل للفلسطينيين ، وكل ذلك  تحت شعار محاربة الإرهاب .

         إن أي تحالف بين اسرائيل وبعض العرب للقتال ضد عرب آخرين يتم تصنيفهم كإرهابيين وإعطاء اسرائيل بالتالي شهادة حسن سلوك بل وأكثر من ذلك بإعتبارها ضحية للإرهاب العربي والإسلامي ، هو خيانة للقضية الفلسطينية والقضية العربية وهي تآمر على حقوق الأجيال القادمة من الفلسطينيين والعرب .

   * مفكر ومحلل سياسي



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد