يقول لقمان الحكيم: "رب أخ لك لم تلده أمك . ." قد يكون من دين آخر ومن قومية أخرى، هو أخوك في الإنسانية . شخصياً لي أكثر من 25 أخاً مسيحياً لم تلدهم أمي، ولكنني أعتز بأن لي 25 أماً مسيحية وأماً مسلمة واحدة .
الإسلام هو المشروع الحضاري التاريخي للعرب: مسلمين ومسيحيين، والقبائل العربية المسيحية في جزيرة العرب وبلاد الشام - قبل الإسلام وبعده - كثيرة أشهرها عشرة: (تغلب - تميم - غسان - منذر - أياد - قضاعة - طيء - مذحج - ربيعة - حنيفة) ومن القبائل المسيحية المعاصرة آل رحباني في لبنان . . ولولا مشاركة هذه القبائل لما تم فتح بلاد الشام ولا تمت هزيمة الإمبراطوريتين الفارسية والبيزنطية . . ولاحقاً جوهرة التاج العربي: مصر .
نجوم تتلألأ
السيدة خديجة بنت خويلد زوجة رسول الله وأم (فاطمة وزينب ورقية وأم كلثوم)، هي وجه النصرانية المشرق قبل الإسلام، وكذلك النصرانية الأخرى ماريا القبطية أم ولده إبراهيم .
قبل الإسلام وبعده كان هناك مئات الألوف من الشعراء والأدباء والمفكرين والفلاسفة والقادة ورجال الدولة المسيحيين الذين ساهموا في بناء الحضارة العربية الإسلامية عبر العصور منذ الجاهلية وصدر الإسلام والدولة الأموية والعباسية والأندلس حتى يومنا هذا .
من التاريخ الحديث أمثلة كثيرة .
من مصر يأتي حدثان: الأول عند نهاية القرن التاسع عشر قدم من روسيا الأرثوذكسية مندوب قابل بابا الأقباط وعرض عليه حماية الكنيسة الروسية لمسيحيي مصر، فسأله بابا مصر: هل يموت بطريرك روسيا أم يخلد؟ فأجابه المبعوث: طبعاً يموت، فقال البابا كلمته المشهورة: "لقد أسلمنا أمرنا للذي لا يموت" .
ومن مصر أيضاً يقف البابا شنودة عملاقاً وهو يرفض جميع الضغوطات الخارجية للسماح لأقباط مصر بالحج إلى القدس قائلاً: ندخل القدس المحررة مع أخوتنا العرب المسلمين .
ويا شيخنا الجليل نحن على العهد باقون، فيوم دخول القدس سوف نكون خلفك .
- من سوريا يذكر العرب فارس الخوري وقسطنطين زريق والشهيد جول جمال الذي باستشهاده أغرق المدمرة "الإسرائيلية" ايلات .
ومن حلب جاء مارمارون إلى لبنان ومعظم العائلات المارونية، ومن أجمل الصور أن هناك مقاماً مسيحياً إلى الآن في داخل المسجد الأموي يؤمه أصحاب النذور من مسلمين ومسيحيين، كما أن المسجد الأموي بقي مكاناً للصلاة المشتركة بين المسلمين والمسيحيين لمدة 80 عاماً .
- من الأردن يعبر بعض القادة جسر العودة ليناضل في فلسطين، ويكتب الأديب غالب هلسا أجمل ما قيل في الغربة: "لقد عثرت على وصف دقيق للاغتراب هو أن تعيش خارج مصر" هذا غزل رائع في الأوطان يذكرنا بغزل عمر بن أبي ربيعة في النساء .
- في فلسطين ومنذ سلم القس المبجل "صفرونيوس" مفاتيح القدس للخليفة عمر بن الخطاب قبل 1400 سنة والبرتقال اليافاوي يفوح عطراً ويتعتق الزيتون الروماني عاماً وراء عام .
بعض البرتقال الفلسطيني والزيتون لهما أسماء مثل يوسف بيدس وإدوار سعيد وعطا الله حنا وجورج حبش ووديع حداد، والمطران كبوجي، والمؤرخ هنري كتن، وحنان عشراوي وإميل حبيبي وسلفادور عرنيطة والاخوة صايغ (فايز ويوسف وأنيس) وسعيد خوري وحسيب الصباغ .
من كبريات جرائم الاستعمار الصهيوني لفلسطين التركيز على تهجير المسيحيين إلى الخارج، أي مصادرة رائحة البرتقال والزيتون، ولكن جسر الهجرة ذات اتجاهين فهو في الوقت نفسه جسر العودة .
وفي لبنان الفلسطينية هناك مقبرة في بيروت اسمها "مقبرة الشهداء" يدفن فيها الفلسطيني المسلم والمسيحي من دون النظر إلى جوازي سفرهما، ففيها دفن الشهداء الثلاثة كمال ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار، فقد كانوا متساوين فوق الأرض ومتساوين تحتها
.
- في لبنان يحلو للبعض أن يعتبر - تحبباً - أن المسيحي اللبناني (غير شكل) . لحقيقة أنه شكل مثل غيره، وينهمر العطاء بدءاً من رهبان الأديرة الذين حفظوا اللغة العربية والتراث وأثروها نسخاً مترجمة وإبداعاً وصولاً إلى جيش المبدعين من انطون سعادة وجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وأبو محمد (مارون عبود) وجورجي زيدان وفيليب متى وصولاً إلى بول غيراغوسيان ومرسيل خليفة وخليل حاوي والشاعر القروي، وأمين الريحاني، وبشارة وكيم والرحابنة وإيليا أبو ماضي وهرم لبنان الثالث: فيروز وآل معلوف، والحبل على الجرار .
أسوأ السيناريوهات المعاصرة كان محاولة تهجير المسيحيين من لبنان أثناء الحرب الأهلية، فالتهجير حرب أهلية أشد فتكاً بالمسلمين قبل المسيحيين .
فلو تم تهجير المسيحيين، لأصبح لبنان دار أيتام إسلامية ولو تم تهجير المسلمين، لأصبح لبنان دار أيتام مسيحية .
لا تهم نسبة المسيحيين في الوطن كله، عرباً وكلداناً وآشوريين وأرمن وافارقة، فالملح في الطعام لا يشكل أغلبية المكونات ولكنه يعطي الأكل نكهته اللذيذة .
وكما قال البابا شنودة لمذيعة لبنانية سألته سؤالاً ملفوفاً: "أنتم أقباط مصر أقلية ماذا . ." فقاطعها: "كلا، نحن أغلبية لأننا مصريون" .
هذا الجواب الرائع يجعلنا نقول: نحن العرب، مسلمين ومسيحيين، كلنا أغلبية، متفاوتون في العدد متساوون في الحقوق والواجبات .
ويا أحباءنا المسيحيين، أنتم ملحنا الذي لا يفسد . . نحبكم . . نحبكم . . نحبكم غصباً عنكم . – (الخليج الاماراتية)